ضمان سلامة استفتاء تقرير مصير الجنوب وانفصاله لا يعني النهاية ولا يعني استتباب السلام في السودان، بمؤشر احتضان الجنوب لحركات دارفور.. قد يكون استقواء الحركات بالجنوب وبالحركة الشعبية هو مجرد تكتيك أو وسيلة ضغط على المؤتمر الوطني لتقديم تنازلات، ودعم مطالب رفعت سقفها مساندة أمريكا والغرب لها، فبعد التوقيع على اتفاق أبوجا مع فصيل مناوي هددت أمريكا وحلفاؤها الحركات غير الموقعة على الاتفاق بالويل والثبور وعلى أرض الواقع نزل الويل والثبور الأمريكي الغربي على غير الموقعين برداً وسلاماً، وعن الحركات فقد اعتبرت مد الحبل على القارب من الراعي الغربي القصد منه إتاحة الفرصة لها لترفع من سقف مطالبها وهذا صحيح ولكن لغاية أخرى، كان هدف أمريكا وحلفائها هو استمرار الحرب في دارفور إلى محطة الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب بالانفصال، وأيضاً لتستمر الحرب في دارفور دائرة الرحى ما بعد ضمان الاستفتاء وضمان تحالف الحركة الشعبية مع حركات دارفور، وهو أمر سعت له أمريكا ما قبل انتخابات الفترة الانتقالية بظن فوز المتحالفين فيها لتحقيق مشروع السودان الجديد، ومخطئ من ظن أن فوز المؤتمر الوطني في الانتخابات قد أجهض مشروع السودان الجديد، بشاهد احتضان الجنوب لحركات دارفور الآن لتصبح أرض الجنوب قاعدة انطلاق لها في حربها مع النظام. صحيح أن مناوي قد فقد ثقله العسكري، ولكن إبعاده من منصب (كبير مساعدي رئيس الجمهورية) كان من خطل الرأي والفعل معاً، مثله مثل عدم توصل الحكومة لاتفاق مع خليل إبراهيم باكراً، وصحيح أن مبرر سلوك الحكومة هنا، هو الصراع الدائر بينها والترابي، عراب خليل، ولكن أخطأت الحكومة في امتناعها عن احتواء خليل إبراهيم باكراً ذلك أن توجهه كان قومياً، ونحن نتوجه باللوم للطرفين معاً: الحكومة والشيخ حسن الترابي، وليت أن المؤتمر الوطني لم ينقسم وليته عقد مع المعارضة صلحاً حقيقياً، ولكن كلمة ليت من الأماني، ومع ذلك ما تزال أمام الحكومة والشيخ حسن الترابي والمعارضة فرصة للتلاقي ومواجهة الخطر الماثل، إن لم يكن بإعمال العقل فليكن بدافع الغيرة (الخوّة صاح في جوبا ..) توحدت أحزاب الجنوب لأن في التوحد قوة تُضاف إليها قوة احتواء حركات دارفور، ما يمثل تهديداً جدياً للشمال، وأمريكا من وراء كل ذلك (وجماعتنا ما زالوا يذوبون هياماً في جوبا، عادوا بنا إلى زمان الفنانة نصرة ودلوكتا الحارة، استضافتها إحدى القنوات الفضائية في عيد الأضحى، ليهدر صوتها من جديد .. جوبا مالك عليّ وياخي ما تجي نتفاهم). لنتتبع فرقعة أصابع دليل الطريق من الحركة الشعبية وأمريكا، لحركات دارفور (فرقعة فرقعة) وصولاً بالحركات إلى أرض الجنوب ولننتهي إلى استفتاء تقرير مصير الجنوب وانفصاله ليبتدئ دور حركات دارفور المرسوم سلفاً، فليدركوا الخطر بإعمال العقل وإن لم يكن فبدافع غريزة الاستشعار، إذ يندفعون بأهلهم الدارفوريين إلى الجحيم (أو فليسألوا أخوانا النوبة). جاء في صحيفة الأحداث 9/11 (طالب المدير العام لجهاز الأمن، الفريق أمن مهندس محمد عطا المولي عباس، حكومة الجنوب باتخاذ إجراء فوري لمصلحة استدامة السلام بإلقاء القبض على كافة المتمردين من دارفور الموجودين بالجنوب، وقال إن بعض قيادات تمرد دارفور موجودون بجوبا وياي وشمال بحر الغزال). استدامة السلام التي قال بها عطا المنان لن تكون، فأمريكا والحركة الشعبية هدفهما ضمان سلامة الاستفتاء انفصالاً للجنوب وما يزال العرض متوقعاً (الفيلم الذي شوقنا لمشاهدته باقان وعرمان) فواهم من ظن أن مشروع السودان الجديد قد انهدت أركانه فهو قائم منذ رئاسة بوش الابن الذي مهر من أجله وثيقة نيفاشا من وراء ستار، إلى رئاسة أوباما، كان بوش يهدد باستخدام القوة لتحقيقه ثم لجأ لهندسة اتفاقية نيفاشا بإزالة الإنقاذ (بالهبوط السلس) في الانتخابات، والآن صارت أمريكا لا حول لها ولا قوة للتدخل العسكري في أي مكان وأصبحت وسيلتها هي الضغوط وحركات دارفور، وحروب أمريكا بالوكالة الغرض منها ضم (السودان كله .. السودان الجديد طبعاً) لدول شرق أفريقيا وإسقاطه من على خارطة الوطن العربي (ونحن ثقوب في الثوب الأسود، نتقافز على دقات الطبول، نغني بلسان و نصلي بلسان). جاء في صحيفة أجراس الحرية 10/11 (نقل النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب، الفريق أول سلفاكير ميارديت، لوفد البرلمان الكيني – كان في زيارة لجوبا عند نشر الخبر – أن جنوب السودان المستقل سينضم بالتأكيد لمنظومة دول شرق أفريقيا وسيقيم علاقة صداقة مع جيرانه الجدد) وأضاف (إنه لا يدعو للانفصال وإن التصويت ضد الانفصال تصويتاً للوحدة تحت الاضطهاد والتي تشابه أن يجلس إنسان ما من فوقك ويقول لك نحن متساويان). الغريب في الأمر أن بروتوكول مشاكوس واتفاقية نيفاشا منحا الجنوبيين الحق في حكم وإدارة شؤون إقليمهم حتى لو اختاروا الوحدة وهو أمر نصَّ عليه المبدأ (أ) من بروتوكول مشاكوس، من المبادئ المتفق عليها، وينص على أن لشعب جنوب السودان الحق في رقابة وحكم شئون إقليمه والمشاركة بصورة عادلة في الحكومة القومية. ولو كانت الترتيبات الأمنية صمام أمان استمرار هذا الحق للجنوبيين، كان من الممكن إعادة صياغة نيفاشا بما يضمن للجنوب حقه في الدفاع عن مكتسباته (في حب يا اخوانا أكتر من كدا، وعليك أمان الله يا سلفاكير الجالس على ظهر التاني منو فينا، لكم حكم الجنوب والمشاركة في الحكومة القومية). أما عن قول سلفاكير بانضمام الجنوب لدول شرق أفريقيا، فالمقصود هو ضم (السودان كله بعد أن يرتدي ثوب السودان الجديد قسراً) لشرق أفريقيا وفق المخطط الأمريكي، نستعيد هنا قول باقان إن مستقبل السودان في خريطة أفريقيا ضمن منظومة الإقليم .. وقصد منظومة دول شرق أفريقيا، واهم من يحلم بالسلام وبحل مشكلة دارفور حلاً أمريكياً. قال الدكتور حسن الترابي إن عنده الحل السريع لأزمة دارفور، وقصد بذلك تلميذه خليل إبراهيم، وفي قول الترابي مؤشر لعدم ثقة الحركة الشعبية وأمريكا في خليل، صاحب الخلفية الإسلامية وربيب الترابي، فالاثنان عند أمريكا والحركة الشعبية إرهابيان. قلنا بأن من خطل الرأي والفعل التخلي عن مناوي فهو ومحمد نور، فرسا الرهان المستقبلي عند أمريكا وربيبتها الشعبية. صرح مناوي من جوبا (لا أحتاج لوساطة للعودة من جوبا، والحكومة أمامها اتفاق، ومعروفة خطورة الأمر إذا استمرت الأوضاع على هذه الشاكلة). يقول مناوي هنا (معروفة خطورة الأمر إذا استمرت الأوضاع على هذه الشاكلة) فهو إذن يضغط على الحكومة بوجوده في الجنوب واحتمال انطلاق عملياته العسكرية من أراضيه، ومن جانبه قلل المؤتمر الوطني من خطورة مناوي، لفقدانه الوزن الشعبي والعسكري. جاء في صحيفة الأحداث 14/11 (قلل حزب المؤتمر الوطني من تصريحات كبير مساعدي الرئيس، السابق، مني أركو مناوي، التي وصف فيها اتفاقية أبوجا بالمناورة السياسية والفاشلة ومفاوضات الدوحة بالتكتيك التفاوضي، وقال أمين المنظمات بالمؤتمر الوطني قطبي المهدي ل (SMC) إن حديث مناوي يفتقد المصداقية ودقة الطرح السياسي، وإنه ظل رهيناً لبعض الأجندات الخارجية والداخلية بعد أن فقد بوصلة وجوده الميداني والعسكري والجماهيري بدارفور). أقوال مني هي من قبل الضغط ما يعني الاستعداد للمساومة، وإلا فإن نقد المهدي له بغياب (دقة الطرح السياسي)، فالطرح السياسي سيصبح جاهزاً عنده، وهو طرح السودان الجديد، كقطعة شطرنج في مخطط أمريكا، وفقدان القوة العسكرية ستعوضه له الحركة الشعبية وهو أمر أقرّ به المهدي ذاته (إن مني يريد الاستقواء والدعم من الحركة الشعبية لكي يعود مرة أخرى للعمل المسلح). استعداد مني للمساومة، والمصالحة الوطنية الحقيقية من جانب الحكومة والمعارضة (وشيخ حسن، أي التصالح مع خليل إبراهيم) جميعها عوامل قد تسحب كرت دارفور من الحركة الشعبية وأمريكا. انطلاق حركات دارفور من أرض الجنوب وتحالفه معها هو إذن خطوة في الطريق إلى تحقيق السودان الجديد، وحروب دارفور لن تنتهي كوسيلة لاستنزاف الشمال وإنهاكه، إضافة إلى استمرار العقوبات المفروضة عليه من المجتمع الدولي وأمريكا بعد ضمان استفتاء الجنوب، لذا جاء الربط بين القضيتين وفق مخطط واحد، وفي شأن الاستفتاء، يبدو أن بعض القضايا قد تم حلها، وبعضها في طريقه إلى الحل وأبرزها قضية أبيي وهي قضية حساسة أياً كانت المغريات (فأهلنا المسيرية عينهم حمرا وشرارة وما بخلو حقهم). جاء في صحيفة الأحداث 14/11 (أعلنت لجنة الاتحاد الأفريقي حول السودان التي يقودها رئيس جنوب أفريقيا ثامبو أمبيكي، عن التوصل إلى اتفاق إطاري بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول سلسلة من الملفات الخلافية من أجل تأمين عملية انتقالية سلمية بعد الاستفتاء، وينص الاتفاق الإطاري على التزام الجانبين على أن تُرسم فوراً الحدود البرية المتنازع عليها والتي تمتد على طول 2100 كيلومتر بين المنطقتين). ولكن الاتفاق الإطاري لم يخرج بحل لقضية أبيي والمواطنة، وهما كرة تتلاعب بها الحركة الشعبية وأمريكا بالضغط على اللاعب الآخر (فالحَكَم منحاز.. أي أمريكا)، تصالحوا يا نُخب الشمال خاصتنا، في الحكومة والمعارضة فيما بينكم ومع الشعب واطلقوا على الحَكَم الأمريكي، أصحاب الحق الحقيقيين من جعلتم منهم متفرجين (جماهير المصاطب، جماهير أكتوبر وأبريل ومعهم المسيرية (عشان يخاف الإرهاب البي صحو) ولو تصالحتم فيما بينكم ومع الشعب، فلن تصل الكرة أبداً إلى الشباك. أوردت صحيفة الأحداث 19/11 أقوالاً لدينق الور، أنه (شدد على أن الحركة الشعبية لن توقع على الاتفاق الإطاري الذي توصلت إليه محادثات الشريكين الأخيرة برعاية الوسيط الجنوب أفريقي ثامبو أمبيكي، ما لم يحسم الطرفان قضية أبيي والمواطنة). نقارن هنا بين مقترحات أوباما التي حملها جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي، إلى الخرطوم، وأقوال سابقة لهيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية، وأقوال لباقان في شأن أبيي، وعدت مقترحات أوباما برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لو مرّ الاستفتاء بسلام، بشرط تحقيق الآتي: تتوصل حكومة السودان مع حكومة جنوب السودان إلى أن كل قضايا اتفاقية السلام الشامل المتبقية وقضايا ما بعد الاستفتاء التي تشمل إدارة أبيي مستقبلاً، ستتم تسويتها دون اللجوء إلى الحرب وبهدف حل هذه القضايا في علاقة تعاونية وذات فائدة مشتركة. وفي الخرطوم هدد الأمريكي كيري بإطلاق سراح ما أسماها (بالرهينة أبيي). وذات اللفظة جاءت على لسان باقان أموم – الأحداث 22/11 (كشف وزير السلام بحكومة الجنوب والأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم عن تقديم حزبه والإدارة الأمريكية ما أسماه بفدية للمؤتمر الوطني لحل أزمة أبيي وكشف عن تحديد الأحد المقبل موعداً لاجتماع الرئاسة في الخرطوم لحسم الأزمة الناشبة حول استفتاء البلدة، وقال باقان حسب موقع نيو ميديا: نحن الآن في انتظار رد المؤتمر الوطني حول قبول الفدية من عدمه عبر اجتماع مؤسسة الرئاسة، ورفض أموم الذي كان يتحدث للجالية السودانية بواشنطن الكشف عن المقترحات الجديدة التي قدمتها الحركة الشعبية للمؤتمر الوطني، لكنه كشف عن أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أرسل رسالة خطية لقيادة المؤتمر الوطني، تحثها على إطلاق سراح الرهينة أبيي وإجراء الاستفتاء على حق تقرير المصير والاعتراف بنتيجته مقابل التزام إدارته برفع العقوبات الاقتصادية عن الحكومة السودانية ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأعرب عن تفاؤله بقبول المؤتمر الوطني للفدية). جمع باقان بين أمريكا وحزبه، أي الحركة الشعبية، ما يكشف عن التواطؤ بين الاثنين (الحكم منحاز) وما ردده باقان هو ذات طرح مقترحات أوباما (قارن بين الطرحين) يتحدث باقان هنا عن فدية.. ما يعني أن تعود تبعية أبيي للجنوب، ربما مقابل مال، وهذا يعود بنا إلى الخبر الذي أوردته – الأهرام اليوم 8/11 (إن مقترحات أوباما تضمنت الوعد بحصول حكومة السودان على النصيب الأكبر من عائدات البترول في منطقة أبيي، مقابل قبول حكومة الشمال بدولة الجنوب الوليدة، حال اختيار الجنوبيين للانفصال، والموافقة على تبعية أبيي للجنوب). فهل يكون الأمر كذلك، وإن كان كذلك فهو مشروط بميقات بحكم منطق الأشياء، وهذا يعود بنا إلى حديث سابق لهيلاري كلنتون، أن على الحركة الشعبية تقديم تنازلات لضمان انفصال سهل للجنوب. وهذا يقودنا أيضاً إلى طمأنة سلفاكير لدينكا نقوك، المقصودين فعلاً بخطابه، بشاهد تكراره للفظة (الأسيرة أبيي) شأنه شأن باقان والأمريكي كيري، جاء في الأحداث 16/11 (افتتح رئيس الحركة الشعبية سلفاكير ميارديت، المؤتمر التشاوري لأبناء منطقة أبيي الذي يرعاه جنوب السودان، وأعلن كير في خطابه مساندته لأبناء منطقة أبيي ولقضيتهم، محذراً من العناصر التي تحاول جعل المنطقة بؤرة للنزاع، مشيراً إلى أن أبيي لا ينبغي أن تكون منطقة أسيرة، وطالب أبناء أبيي بالتحلي بالصبر إلى أن ينتهي الصراع ويصلوا إلى بر الأمان) من تعهدهم سلفاكير بالصبر وصولاً لبر الأمان هم دينكا نقوك وإلا لناقض نفسه، فلا أمان للمسيرية تحت شروط الحركة الشعبية، أنهم ليسوا من مواطني أبيي. على المؤتمر الوطني الامتناع عن تقديم التنازلات، وعليه عقد صلح حقيقي مع المعارضة فهو من يمتلك السلطة، وعلى الحكومة والمعارضة التصالح مع (جماهير المصاطب) وبهم والمسيرية، لن تصل كرة أمريكا وربيبتها الشعبية، أبداً إلى الشباك.