رصدت مراكز البحوث والدراسات في أوروبا وأمريكا حقيقة مُذهلة وهي أن اليابان وصلت إلى تقدُّمها العلمي الهائل بأقل نفقات ممكنة، ووجدت هذه المراكز أن من أهم مظاهر العبقرية العلمية والصناعية الاقتصادية اليابانية أن الشركات الكبرى في اليابان إذا ما وجدت اختراعاً أوروبياً أو أمريكياً جديداً فإنها تشتري عدداً كبيراً منه وتوزعه على عدد كبير من مهندسيها ومخترعيها كي (يفكِّكوه) ويدرسوه دراسة عميقة مُفصّلة، ثم تقوم هذه الشركات الكبرى في اليابان باستدعاء مئات الشباب الذين تخرّجوا حديثاً في الجامعات وإعطاء كل واحد منهم نموذجاً من الاختراع الأوروبي أو الأمريكي الجديد كي يكتب عنه تقريراً يتضمّن كيفية تطوير الجهاز الجديد ليكون أصغر حجماً وأقلّ تكلفة وأرخص سعراً وأجمل شكلاً وذلك في أسرع وقت ممكن، فيرجع مئات الشباب إلى بيوتهم (يفككون) الاختراع الأوروبي أو الأمريكي الجديد قطعة قطعة، ويدرسون ويقررون ثم يعودون إلى الشركات اليابانية باقتراحاتهم الجديدة. نستخلص من تجربة اليابان المذكورة عاليه مع شبابها الآتي: 1 أن اليابان تحقّق تفوقها التكنولوجي والصناعي على مستوى العالم بأقل نفقات ممكنة. 2 أنها تملأ أوقات فراغ شبابها بالابتكارات والاختراعات العلمية المسترشدة بآخر ما توصّل إليه العلم الحديث، وذلك لأنها توزِّع على شبابها نماذج من أحدث ابتكارات أوروبا وأمريكا. 3 أنها تُحارب البطالة بين شبابها بجعلهم منتجين يدفعون ترس الإنتاج الصناعي إلى آفاق مستقبلية تتفوّق خلالها على أوروبا وأمريكا باستمرار. 4 أنها تحبب إلى شبابها الابتكار والاختراع ومن ثمّ الدخول في منافسة قوية مع عقول الأمريكان والأوروبيين. 5 أنها تعلم تماماً أن الاستفادة من طاقات وقدرات الشباب لا تتحقق إلا باتباع المنهج العلمي الرابط بين النظرية والتطبيق في منظومات إنتاج صناعي وتكنولوجي تركز على ابتكارات صغيرة الحجم فاعلة الأداء وأقل تكلفة وأرخص سعراً وأجمل شكلاً وفي الوقت نفسه تضم أحدث ما توصّل إليه العلم المعاصر من تقنيات. ٭ وهنا نأتي إلى شباب السودان لنرى الكيفية الراهنة للاستفادة من طاقاته وقدراته فنستخلص الآتي: 1 آلاف الخريجين سنوياً في الجامعات والمعاهد السودانية يتيهون في الشوارع ولا يجدون مهنة تسُد الرمق!! 2 من يشمِّر منهم عن ساعد الجد للعمل الذاتي لا يجد أمامه إلا عالم الركشات التي ملأت شوارع العاصمة حتى فاضت وساهمت بفاعلية في تلويث البيئة بالدخان الناتج من وقودها المكوّن من خلط البنزين بالزيت!! 3 الجريمة والسلوك اللا أخلاقي المنحرف وإهدار طاقات الشباب في أعمال هامشية ضعيفة العائد كلها تشكِّل آثاراً سلبية لدخول شبابنا في عالم الركشات. 4 أولياء الأمور يتساءلون بحسرة هل الركشات هي مستقبل شباب السودان؟؟ 5 ويتساءلون أيضاً: أين دور الوزارات والجهات المعنية بالشباب، ومنها: وزارة الشباب والرياضة، ديوان الخدمة المدنية، وزارة العمل، أمانة الشباب بالمؤتمر الوطني، الشبكة الطالبية للمشروعات والمنظمات الطوعية، مراكز تدريب الشباب على الحرف البسيطة، مراكز التدريب المهني، وزارة الشؤون الاجتماعية، ديوان الزكاة، ديوان الضرائب، وحدات دعم المشروعات الصغيرة ببنك السودان المركزي والبنوك الأخرى، إضافة إلى مئات المنظمات الخيرية والتطوعية السودانية التي تتلقى دعماً ثابتاً من خزينة الدولة؟!! ٭ أكتفى بهذا القدر مؤمّلاً من الجهات المختصة أن تبدأ عملاً فورية للاستفادة من طاقات وقدرات وابتكارات الشباب السوداني وعدم إهدارها في أعمال هامشية ذات آثار سلبية قاتلة على مجتمعنا، فاليابانيون بشر مثلنا ونحن لنا عقول مثلهم، ولامستحيل إذا توافرت النوايا السليمة والجدية والإخلاص.