حسن مكي (32 سنة) - سوداني من إقليم دارفور . هاجر من السودان إلى اليونان هربا من رمضاء النزاع الجاري المسلح (وفق ما يقول) ... هاجر حسن مكي تتراقص حياله الأماني العذبة ، ويداعب خياله الأمل البسام ي غدٍ مشرق واعد بعد أن دفع في سبيل هجرته كل ما يمتلك من مال وأرض وعقار ورثه من أبيه في دارفور. أثناء سير " حسن مكي " في إحدى طرقات العاصمة اليونانية أثينا صحبة صديق له تعرض لهجوم مباغت من أصحاب الفانيلات السوداء . هرب الصاحب وبقي حسن مكي وحده في المكان ما بين مصدق ومكذب ، حاصروه بدراجاتهم النارية يدورون حوله حتى تملكه الرعب قبل أن يوسعوه ضربا بالعصي كغريب الإبل إلى أن فقد وعيه . ثم استيقظ ليجد نفسه غارقا في بركة من الدماء جراء إصابته بجروح مطاوي قرن غزال غائرة في ظهره وأسفل الفك والعنق على هيئة ( X ) مما قد يجعله في المستقبل هدفا لمزيد من الأعتداءات العنصرية عليه . (لمشاهدة صور حسن مكي يرجى الدخول على مدونة kashakeel.elaphblog.com ووفق الصور الفوتوغرافية ولقطات الفيديو التي حرصت على عرضها العديد من المواقع الألكترونية الغربية الموثوق بها الحرة ؛ فإن التشويه المبالغ فيه الذي طال عنق وحنك وكامل مساحة الظهر من جسد الشاب السوداني حسن مكي تقشعر له الأبدان ويثير في نفس كل مواطن سوداني الكثير من المشاعر السلبية دون شك. المهاجمون اليونانيون ينتمون إلى " حزب الفجر الذهبي " . وهو حزب يميني متطرف يضع على أولويات برامجه طرد كافة العاملين الأجانب المتواجدين على أراضي اليونان ، سواء المقيمين بوثائق شرعية أو متسللين . ويزعم زعماء هذا الحزب اليميني المتطرف أن أسباب الأزمة الإقتصادية والإفلاس الذي تعاني منه اليونان إنما مرده إلى تواجد هؤلاء العمال الأجانب على أرضهم. واقع الحال أنه لايجوز إلقاء اللوم كله على العمال الأجانب وجعلهم الشماعة المثلى لتبرير الإفلاس لدى بعض الدول. لكن الواقع أن هؤلاء العمال الأجانب يقبلون بأجور زهيدة تقلل حتما من تكلفة الإنتاج الزراعي وتجعل أسعار الصادرات اليونانية أرخص بكثير من مثيلاتها الأوروبية ... وبالتالي فإن العكس هو الصحيح المفترض. وإذا كان من جهة يجب مساءلتها فإنهم أصحاب الأعمال من المواطنين اليونانيين أنفسهم الذين يحرصون على إستيعاب وإيواء وتشغيل هؤلاء الأجانب طمعا في مزيد من الإنتاج وتقليل التكلفة وعدم دفع الأجور بشكل منتظم على أقل تقدير. كما أن العمال الأجانب يقبلون بأداء أعمال متدنية يأنف المواطن في بلده من العمل في حقلها حفاظا على وضعه الإجتماعي وسط أهله ومعارفه ومواطنيه عامة . وبالتالي تظل الحاجة إلى العامل الأجنبي في كل البلاد مطلبا قائما يدركه أصحاب الحل والعقد ومن هم على إحتكاك بمجال الخدمات وإدارتها في كافة القطاعات العامة والخاصة. إذن لايمكن الذهاب هكذا ببراءة تجاه قبول كافة المزاعم اليمينية المتطرفة التي تسري حاليا كالنار في كيانات المجتمعات الغربية لتبرر تردي إقتصادياتها وأزماتها المالية. ولكن المسألة على ما يبدو تظل محض إستهلاك سياسي لإستدرار المشاعر الوطنية والعنصرية والدينية لغرض حصد المزيد من أصوات الناخبين وتحقيق مكاسب في هذا الحقل تتمثل في كمية مقاعد مؤثرة داخل البرلمان وداخل التشكيلة الوزارية . وبالتالي مزيد من السلطة والنفوذ والمكاسب المالية للقطط السمان في قيادات وكواليس مثل هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة..... إنها ديمقراطية النخب السياسية العرجاء ، ونتاج لعبة الكراسي وقناعات إلقاء الفتات للشعوب بعد إقتسام الكعكة والكيكة على موائد الصفقات الإنتخابية بين هذه النخب السياسية وممولي الأحزاب من أباطرة المال والأعمال ..... هذه الديمقراطية العرجاء التي ظلوا بصدعون رأسنا بها منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية. إن على الشعوب الغربية أن تعترف بأن الخلل الذي تواجهه إقتصادياتها حاليا إنما سببه الأكبر هو إنتقال الإستثمارات من شرايين إقتصادياتها وهجرتها طواعية إلى دول أخرى كالصين وكوريا وماليزيا الهند واليابان وتايلاند والبرازيل ... إلخ . وإنتقال الإستثمارات (بل هروبها في الأحرى) إنما سببه الضرائب الباهظة التي تفرضها الحكومات الغربية على الإنتاج لغرض تلبية نفقات الرفاهية التي اعتادت عليها شعوبها . وكذلك فإن مغالاة النقابات العمالية في أوروبا لجهة زيادة الرواتب والحصول على أقصى الإمتيازات الخرافية لمنتسبيها من المواطنين نراها قد أدت في نهاية المطاف إلى زيادة كلفة الإنتاج الصناعي والزراعي إلى أرقام فلكية . وهو الأمر الذي قلل من إقبال المستهلك في كافة أنحاء العالم على المنتجات الأوروبية . كلفة التشغيل ومصاريف الصيانة وأسعار قطع الغيار للمنتجات الأوروبية مرتفعة هي الأخرى وتكاد تكون خرافية مقارنة بالمنتجات المنافسة في أمريكا اللاتينية والآسيوية الأقصى . وهو ما يجعل المستهلك والمنتج والحكومات في كافة أنحاء العالم تتجه طواعية لإقتناء المنتجات الآسيوية ؛ .. وهو تسابق لم يعد إستثناء على دول دون غيرها بل وصل الأمر إلى الأسواق الغربية نفسها .. ومن الملفت للإنتباه ما سمعناه وقرأناه قبل عدة أشهر أن آخر مصانع تعليب للسردين في الولاياتالمتحدة قد أغلق أبوابه وأعلن إفلاسه بسبب عدم القدرة على منافسة أسعار المنتج التايلندي داخل أسواق المستهلك في الولاياتالمتحدة. إذا كانت الشعوب الغربية ترغب حقا في النهوض بإقتصادياتها المنكمشة والمتردية ؛ فإنه يتوجب عليها (التضحية) عبر الإكتفاء بإستهلاك منتجاتها رغم غلاء أسعارها ؛ بدلا من توجهها الحالي (بمحض إرادتها) نحو شراء المنتجات الأسيوية وخاصة الصينية واليابانية والكورية والتايلندية والتايوانية منها على قناعة بأنها الأرخص وربما الأفضل .... وعلى هذه الشعوب الغربية أيضا أن تقبل التنازل عن الكثير من رفاهيتها التي توفرها لها حكوماتها على شكل خدمات عامة .. وعليها أيضا القبول بساعات عمل إضافية ورواتب وإمتيازات لا نقول قليلة ولكن مقبولة ومنطقية على أقل تقدير. إنه من المضحك أن يرفع ويردد اليوناني والطلياني والفرنسي وهلم جرا شعارات وطنية عنصرية ، ويرتدي عاطلهم وتنابلتهم ومدمنهم فانيلات بمختلف الألوان ، ويتفنون في حلق رؤوسهم ، ويبالغون في إحتساء البيرة تمهيدا للخروج والإعتداء على الأجانب في طرقات وأحياء بلادهم. ثم يستديرون إلى بيوتهم فيقبلون في الخفاء على إستهلاك المنتجات الزراعية والصناعية والألكترونية الواردة إليهم من أسواق أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ..... إنه إذن الضحك على الذات وبداية النهاية لوضع اللامعقول حتماً. ....... إنها المفارقة ما بين الرغبة في الإصلاح وما بين عدم القدرة على تحمل تبعاته والتضحية لأجله . وحتى حين ؛ فإن لابد أن يثور التساؤل عن متى والمدى الذي سيذهب إليه الإتحاد الأوروبي في إقالة عثرات الكثير من أعضائه من الدول المتعثرة والمتكئة والتي على وشك الإفلاس . وإلى متى سيصمد الإقتصاد الألماني في دعم الإقتصاد الفرنسي والإستمرار في عمليات نقل الدم إلى شرايينه اليابسة ؟ ... ثم وإلى متى تظل فاتورة وماسورة الدعم المالي والإقتصادي للكيان الصهيوني مفتوحتان هكذا بدون حساب ولا عذاب ؟؟؟ لاشك أن الكثيرً مما يجري في الإتحاد الأوروبي خطأ ؛ ولكن لايمكن للخطأ أن يستمر إلى ما لا نهاية..... والمسألة في نهاية المطاف تنتظر ما يؤول إليه الإقتصاد الألماني وقدرته على تحمل العبء في السنوات المقبلة. ومثلما كانت الشروط المجحفة والمذلة التي تعرضت لها ألمانيا عقب إستسلامها بعد هزيمتها في نهاية الحرب العالمية الأولى .... مثلما كانت هذه الشروط والأعباء المجحفة سببا في إشعال أدولف هتلر نيران الحرب العالمية الثانية . فإنه لاشك فيه أن الأمر إذا إستفحل دون حلول ؛ ستكون كافة الخيارات مفتوحة أمام تدهور إقتصادي قد لايشهد له العالم مثيل ، وإنهيار على نحو لابد منه لإعادة الأمور إلى نصابها وفق نظرية التدمير الخلاق.