نشرت صحيفة (التايمز) البريطانية منذ عشر سنوات في أحد من الأعمدة التي كانت تخصصها لمشاكل وهموم القراء؛ هذا السؤال: (هل ترغب أن تعرف سر السعادة؟)، فانهالت عليها رسائل القراء (الباحثين عن السعادة)، وحينئذٍ أرسلت الجريدة لكل منهم خطاباً تضمّن هذه السطور من رسالة القديس (متى) والحاثة على الاجتهاد في الحياة (اسألوا تعطوا.. اطلبوا تجدوا.. اقرعوا يُفتح لكم الباب.. لأن كل مَن يسأل يأخذ.. ومَن يطلب يجد.. ومن يقرع يُفتح له...) عزيزي القارئ (فن السعادة) هو فن ترتيب حياتنا ترتيباً يضمن لنا أكبر قدر ممكن من المتعة والنجاح ويجنبنا أكبر قدر ممكن من المتاعب والفشل.. ومن مقومات السعادة ما لا يتوقف على إرادة الفرد كاستواء الشخصية، واعتدال المزاج وكلها ميزات إن قُورن صاحبها بصاحب الثراء الطائل، والمكانة الرفيعة، والسلطة الواسعة، بدا كالملك في الحقيقة مقارنةً بالممثل الذي يؤدي دور الملك على المسرح أو الشاشة.. ويقول الأستاذ حسين أحمد أمين نجل العالم الموسوعي المعروف د. أحمد أمين في كتابه الجميل (كيمياء السعادة): إن سعادة الفرد تعتمد على مزاجه وشخصيته فهما يشكلان الحصيلة النهائية لتصرفه، وتأثره تجاه الأحداث الخارجة عنه.. ويضرب الكاتب المثل بمقولة شكسبير في مسرحيته الشهيرة (تاجر البندقية) حينما قال (ثمة أُناس مَن ينفجر بالضحك لأهون الأسباب وأبسطها ومنهم مَن إذا قصوا عليه نكتة ظل عابساً متجهم الوجه، وان أقسم له الكل إنها نكتة جميلة جداً)، وقد صاغ أحكم الحكماء، وأشعر الشعراء (المتنبي) ذلك في قوله: ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ يَجد مُرّاً به الماءَ الزُّلالا وربما كانت للسعادة عزيزي القارئ عناصر كيمائية تبدو متشابهة عند جميع السعداء، فهذا تولستوي، كاتب روسيا الكبير، يستهل روايته المعروفة (أنا كارنينا) بمقولته الشهيرة (كل العائلات السعيدة يشبه بعضها بعضاً، أما العائلات الشقية فلدى كل منها أسبابه التي نجم عنها شقاؤها). فمن عناصر السعادة الصحة، والثروة، والمزاج الشخصي، وهذه العناصر لا تحقق السعادة في حد ذاتها، غير أن السعادة لا تتحقق مع الافتقار إليها. وأخيراً عزيزي القارئ: إن الإنسان السعيد هو الإنسان الموضوعي صاحب الاهتمامات العديدة والمفيدة الخارجة عن نطاق ذاته، أو الذي لا يعذّب نفسه كلما يختلي بها بسؤال: (أأنا سعيد أم لا).. وللحديث بقية أشياء.. إن كان في العمر إيعاز بنبض البقاء. وفى الختام حتى الملتقى أعزائي القراء أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال حتى يقيكم شر الابتذال في الأشياء.