صدف أن كنا، وبعض الأخوات ممن تربطني بهن علاقات القربى أو الجيرة.. صدف أن كنَّا مجتمعات في منزل إحداهن في (كرامة حجِّها)، وهي مناسبة لا يخلو منها بيت سوداني، إن كان صاحب الدعوة أو المدعو لها، ولحظتها كانت النيل الأزرق تبث برنامج «عدد خاص» الذي يقدمه الزميلان الأستاذ عبد اللطيف البوني والأستاذة منى أبزيد، ولما كانت مشغولة بالحديث لم أنتبه لصوت منى أو الأستاذ البوني، بل ما لفتني كان صوت إحدى قريباتي وهي تصرخ بصوت فيه نبرة من التعجب والاستنكار: (سجمي تحرُّش شنو.. كمان ده الفضل يا ناس النيل الأزرق)، ولحظتها حولت بصري وسمعي نحو التلفزيون وأصبحت الغرفة كلها في حالة هُسْ سكوت.. حنسمع لنتابع تفاصيل الحلقة الجريئة التي قدمها البرنامج، وأحسب أنه، وبطبيعة الأسر السودانية التي لا تحبذ تناول مثل هذه المواضيع الصادمة بهذه الصراحة، كانت قمة الشجاعة أن يتناول البرنامج هذه القضية، باعتبار أنها من المسكوت عنه، وواحد من واجبات وضروريات الإعلام الصادق أن يكشف الغطاء عن الجروح والبثور التي تشوِّه جسد المجتمع، حتى لا تتقيَّح وتتنفَّس صديداً، ولعلَّ محاوِر الحلقة من داخل الاستديو كانت قمة في الموضوعيَّة وتطرقت إلى جانب مهم هو ضرورة أن يقف المجتمع بصدق مع الضحية التي تتعرض لهذا التحرش، حتى لا تكون هي في موضع المتهم، والرجل هو المجني عليه، وأظن أن هناك نماذج كثيرة وحوادث أكثر تحدث في مواقع مختلفة في محاولة لاستغلال حاجة المرأة إلى العمل، وربما لضعفها أو لخوفها من الكلام حفاظاً على سمعتها، لكنها تبقى مسكوتاً عنها، مما يغري أمثال هؤلاء للتمادي وتكرار الفعل. في كل الأحوال أعتقد أن «عدد خاص» استطاع الخروج من عباءة الرتابة ومضغ المواضيع التي سبق استهلاكها.. بالغوص في قضية حقيقية يعيشها المجتمع السوداني، لكنه للأسف يرفض الاعتراف بها. { كلمة عزيزة لنتفق أنّه حتى نصنع برنامجاً تلفزيونياً ناجحاً لا بدّ من توفر عناصر مهمة فيه، أولها المادة التي يحتويها ومدى أهميتها للمتلقي، وثانياً طريقة إعدادها وتناولها والكيفية التي يتم طرحها بها، حتى تستوعب كل الأطراف المعنية بها، ليخرج المشاهد بحصيلة ومنتج لفكر ورأي يستحق الوقت الذي يهدره فيه. على فكرة، واحد من أهم عوامل نجاح الموضوع نفسه هو اختيار الوقت المناسب لطرحه، لذا فإن التعامل الذكي مع برامج الصباح يختلف عن برامج الظهيرة وعن برامج المساء، وبالتأكيد عن برامج سهرة، أما أخطر عنصر في هذه العناصر فهو مقدم البرنامج نفسه، الذي بيده وحده أن يُنجح الطبخة أو يفشلها، وهو الذي يحصد مباشرة نجاح البرنامج ويغرق في عسله، وهو أيضاً من يأكل حصرمه في حالة فشله. لذا ليس غريباً أن ترتبط برامج بأسماء مقدميها وتلتصق بذاكرة المشاهد، لدرجة فشل غيرهم في أن يستنسخوها أو يتشبهوا بها، فمثلاً لا يمكن أن يتكرر برنامج ك «فرسان في الميدان» لأنه لا يتكرر حمدي بدرالدين.. ولا يتكرر «صالة العرض» لأنه لا يتكرر علم الدين حامد.. ولا يتكرر «دنيا دبنقا» لأنه لا يتكرر محمد سليمان.. وقس على ذلك الكثير من البرامج الخالدة والراسخة، لذا إن أراد أهل برنامج الصباح الجديد أن يجعلونا نتسمّر في مقاعدنا، فليبدأوا من آخر عنصر تحدثت عنه، وهو التقديم، إذ لا يعقل أن يقدم البرنامج من الصباح زول معسم فاقد للحيوية، ويكون الموضوع نفسه لا يخلو من برودة، والنتيجة قالب ثلج يبلعه المشاهد على الريق، ودليلي على ذلك الحيوية المطلقة التي منحتها هنادي سليمان وهي تقدم الصباح الجديد أمس الأول، فمنحته رونقاً وأضفت عليه سخونة وهي تبثه ثباتها وأريحيتها ووجهها الصبوح. رجاءً امنحوا البرنامج صباحاً إمّا لهنادي ومعها ندى سعيد حامد، أو ندى ومعها غادة عبد الهادي، وخلونا من الشعر الذي يُقال بين الفقرات بداعي وبدون داعي.. يعني بصريح العبارة أطلقوا البرنامج من هذا الحبس الإجباري واجعلوه حيوياً ومتفائلاً كالصباح الجديد قولاً ومعنى. { كلمة أعز أتاح لنا بالأمس منتدى النادي العائلي فرصة مقدرة لتقييم برنامج «بنات حواء» الذي قدمته هارموني رمضان الفائت، ولما كانت الساحة لا تسمح بذكر ما تناولناه عن البرنامج في نقاش ثر، دعوني أجدّد الدعوة بأن تكرم وزارة الثقافة الفنانة حواء الطقطاقة وحنان بلوبلو لأنهما من ركائزالغناء النسائي في السودان.