فريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد لم تكن بلدة أبيي مشهورة أو معروفة لدى كثير من السودانيين، جنوبيين وشماليين، حيث أنها لم تكن طرفاً في الحرب الأولى والثانية، ولكنها برزت فجأة على السطح وأصبحت أزمة حقيقية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا «الكارثة» من خلال بروتوكول المناطق الثلاث، هذا البروتوكول الذي تم توقيعه خارج إطار اتفاقية السلام الشامل بحسن نية لا تعبر عن رؤية إستراتيجية حيث أن هذا البروتوكول يمثل خرقاً واضحاً للاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بمشاكوس، الذي اتفق فيه الشريكان على أن الحدود الفاصلة بين الشمال والجنوب هي حدود عام 1956م. المناطق الثلاث مناطق شمالية، ولهذا فإنه لم يكن هناك أي داع لتوقيع هذا البروتوكول الذي أصبح ثغرة رئيسية في اتفاقية السلام استغلتها الحركة الشعبية لضم مناطق شمالية لها حتى تصبح حزاماً أمنياً يفصلها عن شمال السودان وحتى تكون قاعدة عمليات متقدمة لها لتهديد شمال السودان حسب السيناريو الذي رسمته الصهيونية العالمية لتمزيق وحدة البلاد. الجدير بالذكر أن بروتوكول أبيي يمثل قنبلة موقوتة زرعها القس الأمريكي اليهودي دانفورث ليتم تفجيرها في الوقت المناسب!! مع بداية الترتيبات الخاصة بتنفيذ عملية الاستفتاء التي نصت عليها الاتفاقية برزت قضية أبيي كأزمة حقيقية تعوق عملية إجراء الاستفتاء، كما برزت كذلك الخلافات السياسية بين الشريكين حول مفهوم المشورة الشعبية التي ستجرى بولاية النيل الأزرق وولاية جنوب كردفان، من هذه الزاوية يتضح لنا سوء النية المبيتة في توقيع بروتوكول المناطق الثلاث، لأن هذا البروتوكول يحمل في طياته أسباباً قوية للحرب الثالثة بين جنوب السودان وشماله!! حتى الآن فشلت كل محاولات الشريكين في تجاوز أزمة أبيي التي أصبحت تهدد قيام الاستفتاء في مواعيده المحددة، كما فشلت كذلك المقترحات الأمريكية ومقترحات لجنة حكماء أفريقيا التي تقدم بها ثابو أمبيكي رئيس جنوب أفريقيا الأسبق، بالرغم من قناعتي التامة بأن الحركة الشعبية قد حسمت أمرها تماماً نحو الانفصال الذي تدفعها إليه الدوائر الغربية والصهيونية إلا أن كل ذلك لا يمنعنا من التفاؤل، وعليه وفي إطار ما يسمى بمفاوضات الفرصة الأخيرة فإنني أرى أن يتم تجاوز قضية أبيي بالاتفاق بين الشريكين على أن تكون أبيي عاصمة قومية للسودان، حيث أن العاصمة القومية ملك للجميع. خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار إن الاتفاقية قد جعلت مسؤولية إدارة المنطقة تابعة لرئاسة الجمهورية، هذا بالإضافة إلى أن موقع المنطقة الوَسَطي يؤهلها لكي تكون عاصمة قومية وسيمكن ذلك الحكومة المركزية من فرض سيطرتها على كل الأقاليم وإدارة شؤون البلاد بفعالية أكبر، كما سيقود ذلك إلى تنمية وتطوير المنطقة وتحويل حياة سكانها من حياة بدائية إلى حياة المجتمعات الحضرية، وسينعكس كل ذلك أمناً واستقراراً على كافة قبائل المنطقة، وهكذا ستعود أبيي سيرتها الأولى كنموذج لحالة التعايش السلمي بين كل قبائلها، إن علاقات الدم والمصاهرة بين قبائل مناطق التماس تساعد كثيراً في تحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب، وبذا تصبح منطقة أبيي بوتقة للانصهار القومي، وجسراً للتواصل بين الشمال والجنوب بدلاً عن أن تكون كشمير السودان كما أرادت لها القوى المعادية، وبذا نكون قد فوتنا الفرصة على المتربصين ببلادنا لأن أبيي ستصبح مصدر قوة للسودان وليست مصدر ضعف وتهديد، إن المصالح المشتركة بين الشمال والجنوب تحتم علينا الحفاظ على وحدة بلادنا، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار أن العالم كله يتجه إلى التكتلات والكيانات الكبيرة، حيث أنه لا مكان في عالم اليوم للضعفاء، بمثل هذا الأسلوب ستصبح أبيي «سرة» للسودان تربط بين كل أجزائه بقوة، وبذا يكون السودان قد قدم نموذجاً يحتذى في كيفية التغلب على مشاكله الداخلية ومعالجتها بأسلوب حضاري. تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً٭٭ وإذا افترقن تكسرت آحاداً ختاماً: أسأل الله أن يوفق أولي الأمر منا إلى ما فيه خير بلادنا.. وبالله التوفيق. زمالة أكاديمية نميري العسكرية العليا كلية الدفاع الوطني