«الأهرام اليوم» تواصل فتح ملف الكهرباء للإجابة على التساؤلات الآتية: هل لوزارة الكهرباء أو الشؤون الهندسية أو المجلس الهندسي مواصفات محددة يتبعها المقاولون لتنفيذ الأعمال الكهربائية؟ ومن المسؤول عن منح تراخيص العمل في مجال مقاولات الكهرباء بالسودان؟ وهل نظام المخططات الهندسية الكهربائية معمول به في السودان؟ وماهي الجهة الرقيبة عليه؟! { الكهربجي أبولمبة للإجابة على هذه الأسئلة بدأت «الأهرام اليوم» جولة داخل سوق بحري للبحث عن مقاولين وعمال كهربائيين، وما أن توقفت السيارة أمام الطريق إلا وهبَّ أمامنا عدد كبير من العمال مرتدين (الأبرولات) ويحملون الشنط الحديدية الممتلئة بالأدوات وأمامهم ماسورة حديدية تحمل في أعلاها لمبة مضاءة علقت عليها لافتات للمهندس الكهربائي (.....) وفني الكهرباء (.....). سألتهم عن مدى تأهيلهم وكيفية ممارستهم التوصيلات الكهربائية؟ فكانت إجابات الغالبية بأنهم احترفوا المجال عن خبرة في العمل، معللين عدم امتلاكهم المؤهل العلمي والجامعي؛ بأن الشهادات لا تصنع مقاولاً أو خبيراً في مجال الكهرباء، أما أسعار التوصيلات الكهربائية فهي غير محددة بل يتم فيها التفاوض والمزايدات على حسب رغبة الزبون! في كل أنحاء العالم، كما في دول بالمنطقة، تبدأ مسؤولية شركات الكهرباء مع الجهات الحكومية، كالبلدية والشؤون الهندسية، في منح تراخيص العمل لمقاولي أعمال الكهرباء، بحيث لا تكتمل إجراءات أية شركة تعمل في المقاولات الكهربائية ما لم تحصل على الإجازة من وزارة الكهرباء التي تتأكد من أن لدى الشركة المهندس والفني والمعدات والمعرفة بأعمال التمديدات الكهربائية، وبتوفير جميع هذه الشروط يصبح لمقاول الكهرباء سجل فني معتمد ومقيد، ولا يتم توصيل الكهرباء لأي مبنى في بعض الدول كما ذكر المهندس محمد عثمان حسن موسى ل«الأهرام اليوم» إلا في حالة وجود مخططات كهربائية للمبنى معتمدة من قبل قسم التوصيلات والتفتيش بعد التأكد من صحتها ومطابقتها للمواصفات الفنية الصحيحة، هذا أولاً وثانياً: التأكد من أن اللجنة المنفذة لأعمال الكهرباء معتمدة ولديها سجل في شركة الكهرباء، مع مراجعة أعمال التنفيذ بعد اكتمال الأعمال في المبنى لضمان سلامة التوصيلات والأجهزة المستخدمة والكوابل في المبنى. وثالثاً: ومن خلال بيانات المخططات الكهربائية من البداية يتم إخطار كل الأقسام ذات العلاقة بتوصيل الكهرباء للاستعداد لتوفير الطاقة الكهربائية والشبكة المطلوبة منذ بداية تنفيذ المبنى وذلك تجنباً لعبارة لا توجد شبكة أو (المحول مليء)، كما يحدث حالياً لكثير من المباني التي انتهى تشييدها. ولكن صورة مغايرة لما يحدث في دول العالم الخارجي هي في السودان؛ حيث لا توجد أية علاقة لوزارة الكهرباء والسدود أو شركات الكهرباء مع المواطن ومنشآته من ناحية سلامة التوصيلات الداخلية للمبنى وتوفير سبل الحماية من ناحية المعدات المطلوبة ومن تطابق المواصفات الكهربائية لتمديدات المبنى مع المواصفات الفنية المطلوبة، ولا علاقة لها مع الجهة التي قامت بالتنفيذ، بل إن شركة توزيع الكهرباء (الإدارة المركزية سابقاً) تتعامل بطريقة عشوائية في تحديد بيانات الطاقة المطلوبة للمبنى وذلك بمنح المواطن طلباِ يحدد فيه عدد اللمبات وعدد المراوح والأجهزة الفنية المستخدمة، ومن ناحية تقنية سليمة هذا (الاستبيان) لا يوضح بصورة دقيقة الحمولة الحقيقية للمبنى، كما أن تلك المعدات يمكن أن تزيد بإدخال أجهزة كهربائية جديدة للمبنى دون الرجوع للشركة، وهذا ما تعتمد عليه شركة الكهرباء في إخلاء مسؤوليتها عند حدوث خلل فني من جانبها أدى لارتفاع الضغط الكهربائي واحتراق الأجهزة. كذلك إدارة الشؤون الهندسية تهتم بوجود مخططات لشبكات المجاري بالمبنى ولا تطلب أي مخطط كهربائي يوضح توصيلات وحمولة تلك المباني، وكذلك نجد أن نفس الحالة تنطبق على المشاريع الكبيرة والمباني العالية ولا يوجد دور للمجلس الهندسي أو إدارة الشؤون الهندسية أو شركة الكهرباء في إجازة المقاول الكهربائي الذي سيقوم بالأعمال الكهربائية، في حين أن كل الدول في العالم توصلت الى مرحلة تصنيف دقيقة بتحديد مقاول (درجة أولى) و(ثانية) و(ثالثة) حسب حجم المشاريع التي يمكن تنفيذها. لذلك لابد من اعتماد مخططات كهربائية مع بقية المخططات المطلوبة من الشؤون الهندسية لمنح تصديق البناء ويجب كذلك أن يكون لشركة الكهرباء وجود لأقسام التوصيلات والتفتيش التي تتحمل مسؤولية تصديق المخططات الكهربائية من ناحية المواصفات الفنية والسلامة مع حرص القسم على العمل المتواصل لمراجعة أعمال التنفيذ لتلك المخططات وكذلك مراقبة الجهات المنفذة وإجازتها للعمل. ومن جانب آخر لابد أن يكون لشركة الكهرباء الدور الإعلامي السليم في تبصير المواطن بكل متطلبات السلامة وتطبيق المواصفات الفنية السليمة لتوصيل الكهرباء من معدات وكوابل وأسلاك وطبلونات حماية من الغش التجاري في المواصفات الذي يحدث في الأسواق المحلية. وفي كل الدول يتم توصيل الكهرباء الى حيث مبنى المواطن بواسطة شركة الكهرباء التي تتحمل تكلفة التوصيل ويتحمل المواطن قيمة استهلاكه الكهرباء، مع وجود مبلغ في شكل (تأمين) يدفعه المواطن تأميناً على معدات الشركة ويُرد للمواطن عند انتهاء تلك الخدمة. أما في السودان فعندما يتقدم المواطن بطلب لشركة الكهرباء لإمداده بالكهرباء يدفع مبلغاً ماليا معيناً يشمل خطوطاً للضغط العالي والمنخفض ومحولات الكهرباء والأسلاك والأعمدة كهربائية وكوابل ومفاتيح رئيسية وطبلونات وعداداً كهربائياً، بل ويصل الأمر لشراء المحولات والتنازل عنها لصالح شركة الكهرباء، هذا بالإضافة لدفع قيمة استهلاك الكهرباء شهرياً وإيجار عداد شهري مقدماً قبل الحصول على الكهرباء. { الأبراج الكهربائية.. أين معايير للسلامة؟ كما ذكرت سابقاً فإن الكهرباء تعتبر من المهددات الخطرة على حياة الإنسان وتتفاقم خطورة الكهرباء في حالة الاستخدام العشوائي لها وعدم مراعاة ضوابط الرقابة والحماية السليمة من مخاطر الكهرباء. وتأثيرات الكهرباء تتكاثف وتتفاقم لتشمل كل ما يتعلق بحياة المواطن الذي أدمن استهلاك الكهرباء بصورة لا غنى عنها ولا بديل آخر له غير الاعتماد عليها. ومن المشاهد التي أدمنت العين مشاهدتها كثيراً البراج الكهربائية وأسلاك الضغط العالي التي تنقل (110ك. ف) أو (33 ل ف). تلك الأبراج تنتهي في محطات توزيع موجودة في المناطق السكنية دون مراعاة وجود التأثير الكهرومغناطيسي لمعدات تلك المحطات، من محولات كهربائية عالية الضغط وغيرها. ومن الناحية المتعارف عليها عالمياً فإنه يفترض أن توجد هذه الأبراج على بعد من المناطق السكنية أو الزراعية؛ إذ توصلت دراسة أمريكية مشتركة أجراها معهد السرطان البريطاني والمعهد القومي الأمريكي للسرطان، الى أن معظم ضحايا التلوث الكهرومغناطيسي من الأطفال الذين أصيبوا بسرطان الدم، إضافةً الى أن (التلوث الكهرمغناطيسي) يعتبر من أهم المسببات لأمراض القلب وتدمير البناء الكيميائي لخلايا الجسم وتعطيل وظائف الخلايا والاضطراب في إفراز الإنزيمات والكسل وعدم الرغبة في العمل. وقد تبنت القوانين في إدارة الميثاق العالمي للأمم المتحدة اتفاقاً عالمياً نص على ضرورة إبعاد المستوطنات البشرية عن أبراج نقل الكهرباء وتوزيعها. ولكننا لا نجد أي تطبيق لهذه القوانين على أرض الواقع؛ فمنظر الأبراج الكهربائية التي تعبر وتشق المناطق السكنية أصبح مألوفاً؛ رغم مناشدة الكثيرين بضرورة إبعاد هذه المؤثرات الكهرومغناطيسية المسرطنة. ومن أبرز هذه الأبراج تلك التي تعبر المنطقة العسكرية بسلاح المهندسين وحي الدوحة ومناطق سوبا السكنية والزراعية والفتيحاب وتعويضات بيت المال وبغالبية المدن السكنية الأخرى داخل وخارج ولاية الخرطوم. وفي ذات السياق التقت «الأهرام اليوم» بالمهندس عمر بشرى الخبير في مجال الكهرباء ومدير سابق لمحطة توليد كهرباء الدمازين وتدرج في العمل بالمجال لأكثر من (37) عاماً، الذي لخص لنا مشاكل الكهرباء في السودان في ثلاثة مفردات وهي: التخطيط والتوزيع والتنسيق. فالتخطيط منذ البداية يتم بصورة عشوائية؛ فإدارة الأراضي عادةً لا تلجأ لوزارة الكهرباء (الهيئة المركزية سابقاً) عند توزيع الأراضي. فلابد عند وضع الخطة السكنية، الأخذ بعين الاعتبار رأي إدارات الكهرباء بخصوص وضع توصيات تجاه سلامة المواطن. أما التوزيع كذلك فلابد أن يكون مدروساً بحيث تراعى فيه معايير السلامة والجودة. أما التنسيق فهو يشمل جميع دوائر الخدمات والشؤون الهندسية حتى يعمل الجميع على تفادي المشاكل التي تؤثر سلباً على حياة المواطنين.