الطريق إلى مشروع سكر النيل الأبيض يشير إلى تحولات كبيرة في هذه المنطقة حول المشروع التي كانت تسمى (العطشانة) ولكنها تحولت إلى الرويانة بفضل المشروعات الطموحة التي عالجت مشكلة مياه الشرب، وكلما اقتربت من المشروع برزت مشروعات البنية التحتية من المدارس والمزارع والبيوت التي غيرت واقع هذه المنطقة وساعة الوصول إلى مشروع سكر النيل الأبيض الذي يقع في وسط السودان في ولاية النيل الأبيض على الضفة الشرقية للنيل الأبيض على بعد 150 كيلو متر جنوبالخرطوم ستجد نفسك أمام مشروع عملاق، أراض خضراء على مد البصر تمثل مزرعة انتاج القصب التي تبلغ مساحتها 105 ألف فدان (525) كيلو متر مربع وتعمل الدورة الزراعية فيها بنظام الخلفة ونظام الحصاد (أخضر) بالتوافق مع أنظمة حماية البيئة الحديثة وأيضاً هناك مزارع لانتاج بعض المحاصيل النقدية مثل السمسم وزهرة الشمس والذرة الصفراء ومزرعة لزراعة الزهور لتحسين البيئة حول المشروع. التجوال في وحدات المصنع يبعث على الاعجاب بالتقنيات الحديثة المستخدمة ومن دواعي الاعجاب أن كل المهندسين الذين نفذوا العمل سودانيون. ومن وحدات المصنع وحدة انتاج البخار والطاقة التي تتكون من محطة المراجل البخارية (وحدة انتاج البخار والكهرباء) ومحطة توليد الكهرباء الرئيسية والتي تبلغ طاقتها 104 ميغاواط يصدر منها حوالي 50% ميغاواط إلى الشبكة القومية ومحطة توزيع الكهرباء التي تتكون من وحدة التحكم الرئيسية ووحدة التوزيع وعدد 12 محطة فرعية لتوزيع الكهرباء لجميع وحدات المصنع شاملة جميع المحولات وطبلونات التحكم والتوزيع وخطوط نقل وتوزيع الكهرباء. ويبدو واضحاً للعيان أن سكر النيل الأبيض ليس مجرد مصنع للسكر بل هو مشروع متكامل لزراعة وانتاج السكر بأحدث التقنيات وفي المصنع وحدات انتاج السكر التي صممت على درجة عالية من الدقة وتتكون من محطة استلام ومناولة القصب واستخلاص العصير وتعمل المحطة بطاقة اجمالية تبلغ 24 ألف طن قصب في اليوم وتشمل 2 وحدة تفريغ ومناولة بطاقة 55 طنا في الساعة لكل وعدد 2 خط طحن بكل خط طحن 6 طواحين ومحطة تكرير العصير وانتاج السكر تتكون من 12 وحدة انتاجية يتم من خلالها معالجة العصير وتنقيته وفصل وتجفيف وتعبئة السكر في مراحله المختلفة والطاقة الانتاجئة الكلية للمحطة 450 ألف طن سكر في العام ويتكون نظام التحكم والمعدات من مجموعة من المعدات والبرمجيات بغرض التحكم وضبط عمليات انتاج السكر المختلفة. ويحوى المصنع مجموعة من مشروعات البنية التحتية من المدينة السكنية وهي 2 وحدة سكنية متعددة الطوابق تكفي لاستيعاب 240 شخصا والمعسكرات والمباني التي تكفي لاستيعاب 160 شخصا ومبنى الضيافة الذي يكفي لاستيعاب 60 شخصا ومخازن للسكر بمساحة 10.000 متر مربع تكفي لتخزين 150.000 طن سكر وشبكة من الطرق والكباري. ولا ننسى مجمعات التنمية الاجتماعية وقد تم توزيع 9 آلاف قطعة سكنية بالمجان مساحة القطعة 600 متر مربع وتم تشييد عدد 9 مساجد و7 مراكز صحية مزودة بمولدات الكهرباء والصيدليات والمعدات والأجهزة الطبية وعدد 8 مدارس أساس (بنين) و8 مدارس أساس (بنات) و10 مدارس ثانوية بنين وبنات و3 مدارس مشتركة و11 ميزا معلمين و7 ميزات للكادر الطبي و15 بئرا ارتوازية وشبكة مياه بطول 200كم.. ومن هنا يتضح أن مشروع سكر النيل الأبيض يستصحب معه البعد الاجتماعي ويقدم نفسه كمشروع متميز يعمل وفق خطة استراتيجية علمية ارتكزت على أن الانسان هو أساس التنمية وأن الاستثمار وتحقيق الربحية يجب ألا يغطيا على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمنطقة المشروع بحيث يكون الكل رابحا. والسيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أكد على ذلك في كلمته التي ألقاها في الاحتفال وقال أن الهدف الأساسي من المشروع هو تغيير نمط حياة أهل المنطقة ولهذا فإن تحقيق بعض مطالب أهل المنطقة مثل الكهرباء واجب قبل أن تكون مطالب ووجه البشير التحية لأهل النيل الأبيض وقال (ديل ناس صادقين) وفي معرض خطابه وجه بعدم التعاقد مع الدول التي تقاطع السودان، في اشارة إلى تعطل افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض بعد أن أخلت الشركة الأجنبية بشرط التعاقد بعد دخول شركة جنرال اليكتريك الاميركية في الخط واستحواذها على الشركة الموردة. وأصل المشكلة هو عدم وجود جزء من البرمجيات المطلوبة لادارة وضبط محرك السرعات المتغيرة لطواحين عصر القصب وهذا جزء من منظومة المصنع والمتأثر بها 6 محركات فقط في مقابل 940 من جملة أهم مكون في المصنع. وعند اكتمال تركيب جميع مكونات محطة الطواحين تم الاتصال بجميع مهندسي التشغيل في الشركات المتخصصة بهدف بدء التشغيل التجريبي واعمال التسليم النهائي لهذه المكونات لشركة سكر النيل الأبيض، وحسب الاتفاق مع مورد محرك السرعات المتغيرة في المحطة كان لابد من توفر البرمجيات بمستوياتها الثلاثة في داخل صندوق التحكم المنطقي للبرنامج ولكن يبدو أن المورد أخل بهذا الاتفاق بحجة أن الشركة الموردة قد تم الاستحواذ عليها من قبل شركة جنرال اليكتريك الأميركية وبالتالي أعلنت الشركة عدم تعاونها مع أي مشروع يتم تنفيذه في السودان. هذا الأمر أدى إلى تعطيل أعمال التشغيل التجريبي قبل 10 أيام فقط من الموعد. ادارة الشركة سعت سعياً حثيثاً لتجاوز هذه العقبة وتشغيل المحرك بواسطة برمجيات بديلة شملت اتصالات الشركة جهات عديدة داخل وخارج السودان وكان الدور الأبرز الذي قامت به الادارات الفنية في شركة سكر كنانة ومركز النيل واليرموك وشركات الكهرباء العاملة بالبلاد ولكن رغم الجهد الحثيث إلا أن قصر الزمن لم يمكن الادارة من معالجة وتجاوز هذه الاشكالية . هذا الأمر جعل ادارة الشركة وبعد التشاور مع الجهات المعنية وهي مجلس الادارة ووزارة الصناعة ورئاسة الجمهورية تؤجل الاحتفال ببدء التشغيل التجريبي وذلك حفاظاً على سلامة العاملين بالشركة وحفاظاً على السمعة المستقبلية لشركة سكر النيل الأبيض والتي لها علاقات وشراكات داخل السودان وخارجه ومع جهات تمويل كبرى ولكل هذا وذاك كان لابد من التأجيل. ومباشرة بعد تحديد المشكلة وأسلوب الحل سعت الشركة للمعالجة والحصول على البرمجيات وفقاً للعديد من المسارات حيث تمثل أسرع وأقرب الحلول في الحصول على برنامج شبيه تم العمل عليه وتعديله بواسطة شركة عالمية في هذا المجال حيث عكف خبراؤها في معامل الشركة خارج السودان على تعديل البرنامج الشبيه ومقاربته مع احتياجات محطة الطواحين حيث استغرق هذا الأمر حوالي الأسبوعين. ومن بعده بدأت الشركة في انزال البرمجيات في صندوق التحكم المنطقي للبرنامج واستمرت عمليات المقاربة والتجريب شهرا كاملا، وكللت وبحمد الله بنجاح كان متوقعاً من مهندسي شركة سكر النيل الأبيض الذين واصلوا الليل بالنهار في سبيل تشغيل المحطة في أسرع فرصة ممكنة. وبدأت عمليات التشغيل التجريبي يوم الأربعاء 30 مايو 2012 بإدخال قصب السكر في محطة الطواحين وتم استخلاص العصير بنجاح وفعالية ومن ثم بدأت عمليات انتاج السكر في محطة المعالجة حيث تمت تعبئة أول جوال سكر أبيض في 5 يونيو 2012 ومثل هذه المشكلات وطرق حلها يعيد ويعزز الثقة في قدرات وخبرات المهندس السوداني الذي تشرب بالمعارف والتقنيات الضرورية. كان المشوار فيما يتعلق بالتمويل والتسويات والتنفيذ، المرحلة الاطول والاكثر معاناة. يقول المهندس حسن ساتي مدير المصنع كان الدافع الذي يهون علينا الصعوبات مقولة للسيد عبد اللطيف الحمد رئيس مجلس الادارة والعضو المنتدب للصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي الذي قال انه مقتنع تماما بصناعة السكر في السودان وانه في العام 4791 كانت له عبارة مشهورة «الكويت خلقها الله سبحانه وتعالى لتكون منتجة للبترول، والسودان خلقه الله ليكون منتجا للسكر» ويضيف ساتي هذه من الاشياء التي دفعتنا لنستمر في المشوار حتى نهاياته، وكان الصندوق العربي اول جهة تحصلنا منها على تمويل وكان بقيمة 27 مليون دولار وكانت كافية لتؤسس الجزء الاكبر لنظام الري وكان ذلك بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية، ورحلتنا الثانية مع البنك الاسلامي للتنمية ثم صندوق اوبك للتنمية والصندوق السعودي لتنمية الصادرات وصندوق ابو ظبي للتنمية. اما ما يتعلق بالتمويل المحلي فيقول ساتي كان للبنوك دور كبير جداً مثل بنك الخرطوم ومصرف التنمية الصناعية وام درمان الوطني ومحفظة التمويل التي قادها بنك المال المتحد. وفي الاحتفال قدمت كلمة ضافية من شركة سكر كنانة مهندس ومدير المشروع قدمها السيد محمد المرضي التجاني العضو المنتدب لكنانة، شكر فيها كل الجهات التي اسهمت في المشروع وقال ان هذه الخطوة لم تأت من فراغ لان المساهمين الاوائل في كنانة انشؤوها وفق رؤية جريئة في مطلع سبعينيات القرن الماضي لتحقيق الامن الغذائي الوطني والعربي، وما مشروع سكر النيل الابيض الا ركيزة جديدة من ركائز الامن الغذائي الوطني والعربي، وكنانة انشئت لتكون احدى آليات التنفيذ فكان اتساق الهدف والمقصد. واوضح المرضي ان فخامة رئيس الجمهورية المشير البشير هو صاحب الرؤية الثاقبة في تنفيذ مشروع بهذا الحجم حيث كان توجيهه عندما تم طرح المشروع بأن يبدأ التنفيذ بالامكانيات الذاتية الوطنية وبالتدرج بداية من الزراعة ومع الترويج واستكمال التمويل وبقية مكونات المشروع وهذا ما تم عليه التنفيذ حتى اكتمل صرحا يسر الناظرين. واكد المرضي ان كنانة ماضية في خطتها الاستثمارية وبإذن الله في الشهور القادمة سيبدأ العمل في مشروع سكر الرديس بطاقة نصف مليون طن في العام وسكر الرماش بطاقة 051 طنا في العام والجديد فيها بداية تصنيع المعدات في ورش كنانة لنؤكد ان النموذج الذي قدمناه في النيل الابيض سيكون مفتاح النهضة المستدامة المرتجاة . ووصف وزير الصناعة، عبد الوهاب عثمان، افتتاح مصنع سكر النيل الابيض بأنه اضافة جديدة ومهمة للصناعة في السودان، واشار الى ان صناعة السكر تحديدا في السودان تقودها كوادر سودانية وشركة كنانة الهندسية هي بوتقة هذه الكوادر، واضاف ان الحكومة اولت الصناعة الاهتمام ووفرت كل الدعم والضمانات للمشروع. وتميز الاحتفال بالتنظيم الدقيق والحضور النوعي وشارك اهل النيل الابيض بقيادة والي الولاية يوسف الشنبلي في هذه التظاهرة التي اكدت ان السودان مقبل على الاكتفاء الذاتي من السكر وافتتاح المصنع في هذا التوقيت بعث برسائل سياسية بأن السودان قادر على تجاوز المطبات الاقتصادية، وان البلاد ترنو نحو افق بعيد، افق التنمية والصناعة والخير والجمال.