{ هل للسلوك علاقة بالوراثة؟ أم هو حصيلة أفكارنا وتجاربنا ومشاهداتنا؟ وهل من الممكن أن تتغير المبادئ والأخلاق أو تتجزأ عند الضرورة لمجرد أنه قد طرأ تغيير ما على واقعنا الفردي؟ وهل للسلوك مقامات؟ بمعنى أن هناك سلوكاً وأخلاقيات للمنزل وأخرى للعمل وثالثة على مقاعد الدراسة مثلاً؟ وهل بعضها يُفضل أن يُمارس في الصباح والآخر آناء الليل؟ وهل هناك أخلاق محلية وأخرى دولية؟ وبعضها لعلية القوم والبعض الآخر للغلابى؟ { إن القاعدة الفطرية تؤكد أن الأخلاق يجب أن تكون كاملة متكاملة وبالجملة غير قابلة للتجزئة تحت أي ظرف من الظروف، على أن يقاس ذلك على كل علاقاتنا سواء في مصلحة عامة أو خاصة لأننا في أثناء تعاملنا مع المجتمع من حولنا علينا أن نضع - دائماً - نصب أعيننا قول الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «الدين المعاملة» فهل ندرك الأبعاد الحقيقية لهذه العبارة الصغيرة الكبيرة؟ وأين نحن منها ونحن لا نجيد الابتسام أو الإيثار أو التعاون أو مساعدة الغير في كل مواقع الخدمة العامة والخاصة؟ وكيف لإنسان مسلم يعرف الله ويؤمن بشريعته وحدوده إلاّ يفرق بين حُسن الخُلق وسوئه؟! وكيف لمن ينتمي لخير أمة أخرجت للناس أن ينتحل شخصية الخير والبر والعدل حيناً أمام الناس ليكون في الخفاء عكس ذلك؟ { إننا نفتقر لأبجديات الحوار الهادف الموضوعي، والتعامل المهذب، والاحترام المتبادل. لقد أصبحنا نعمد للتبخيس والتهكم وافتعال المشاكل الدائم في كل صغيرة وكبيرة، سواء في المركبات العامة أو الخاصة، أو أثناء القيادة في الطريق، أو في منافذ الخدمات، وحتى إن كنا راجلين نسير في أرض الله الواسعة. لقد أصبح من المعتاد أن يشكو الآباء من الأبناء، ويتمرد الأبناء على الآباء، ويتطاول الطالب على الأستاذ، ويقسو الأستاذ على الطالب، ويسخط الموظف من المدير، ويتحامل المدير على الموظف، ويلعن المواطن التاجر، ويظلم التاجر المواطن، ويخدع الصديق صديقه، ويخون الزوج زوجته أو العكس، والجار لا يسلم من جاره. ومجمل العلاقات الإنسانية أصبحت مشوبة بالازدواجية والتناقض. { ودائماً نتفاجأ بأن المظهر الخارجي لا يعكس المخبر الداخلي وأننا نعاني من خلل في التعبير ونجهل آداب الحديث ولم نعد على استعداد لإسداء النصح أو الخدمات دون حسابات للمقابل. إننا بحاجة لإعادة نظر وتقييم لتجسيدنا لروح الدين الإسلامي السمحة؛ حيث كل الأمور خاضعة لمعيار الضمير الحي والتقوى والحساب الذي يأتي بقدر العمل. نحتاج لأن نعود فنترجم الفضائل التي نعرفها الى سلوك وحركات وسكنات، نحتاج لتكوين علاقات إيجابية فاعلة أساسها الكلمة الطيبة والابتسامة والوضوح. { فالكلمة الطيبة مطلوبة دائماً، بل واجبة علينا، ومن لانت كلمته، وجبت محبته، ومن عذُب لسانه كثُر إخوانه، وكلمة طيبة صغيرة لا تكلفنا كثيراً ولكن أثرها يبقى طويلاً، وكلنا نحتاج للمؤازرة والدعم وإبداء الود والاحترام، كلنا في حاجة للمعاملة الكريمة وتقديس إنسانيتنا، والمعاملة الكريمة لها مفعول عجيب في النفوس، وإزالة التوتر ومنح الطاقة للتواصل مع الآخر وتأكيد القدرة على المضي قدماً وتجاوز كل العقبات والمنغصات. { أقول هذا، وأرجو أن يعي أصحاب المواقع الحساسة في منافذ الخدمات وخلف طاولات الاستقبال في كل مكان وموظفو الخدمة المدنية والعلاقات العامة وحتى الباعة والتجار؛ أثر المعاملة اللطيفة والكياسة واللباقة في تفعيل أبجديات عملهم وتحصيل نتائج إيجابية في جميع الاتجاهات، ونحن في الأساس موبوءون بالكدر والضيق والأزمات، فلا تزيدوا رهقنا وإحباطنا بصلفكم وغروركم ووجوهكم المكفهرة ومماطلتكم وتسويفكم في قضاء حوائجنا، ودعونا معاً نكون عوناً على الضغوط التي تحيط بنا ونرأف ببعضنا البعض؛ فكما تدين في أي موقع تُدان يوماً في موقع آخر. { تلويح: «تبقى الكلمة ونحن نغادر.. وتفضل شايلة الثمر الطيب».