وأخيراً أعلنت الحركة الشعبية عن دعمها لخيار الانفصال وأنها ستدعو سكان الجنوب للتصويت له خلال استفتاء تقرير المصير في يناير 2011.. وقالت نائبة أمين عام الحركة الشعبية في جنوب السودان، آن إيتو، مبررة للانفصال: «لم يتم العمل على جعل خيار الوحدة جذّاباً، ولذلك فإننا ندعم خيار الشعب لأننا نتبع إرادة الشعب». ورداً على سؤال عن أفضل الخيارات بالنسبة لأهالي جنوب السودان، قالت آن: «الانفصال»، وأضافت: «إن كانت لديكم آذان تصغي فإنكم تعرفون أن أكثر من 90% من الأهالي أعلنوا خيارهم». كلنا آذان صاغية لك، يا أخت آن.. فلكم خياركم و(الخوَّة ما بالغصب).. يشهد الله أننا نحبكم، ولكن اصغوا أنتم أيضاً إلينا، فإن (الضمير الجمعي الذي يشكلنا في الشمال هو خيار السودان القديم، ليس وفق ما تعبر عنه أي من أحزاب الشمال تحديدا، ولكن بالمعنى (المجتمعي الأوسع). انفصالكم قد يكون بسبب ما قلتِه إن الوحدة لم تكن جذَّّابة للجنوبيين، ولكن (جاذبية الوحدة) عنت لكم في الحركة الشعبية ما هو أبعد مما نلتموه؛ إذ عنت انفرادكم بحكم الجنوب والمشاركة في حكم الشمال (منتهى الجاذبية) وكان الأبعد في مخططكم، وهو في حقيقته مخطط أمريكا وإسرائيل هو (إلغاء شعب الشمال) أي إلغاء ضميره الجمعي (ممثلاً في السودان القديم)، ليس بمعنى التعصب للقديم على إطلاقه، ذلك أن جدل الأصالة والحداثة لا يلغي (الأصل) بل يحمل منه شيئاً (بالتضايف)، أي أن الصالح في القديم يُضاف إلى الجديد وهو ما صار سُنة أحزابنا ذات التوجه الإسلامي، بصفة عامة من غير تحديد لحزب بعينه. ومن حقنا تجديد (سوداننا القديم) دون أن يحدث انقطاع في ضميرنا، الجمعي، بل يبقى الإسلام والعروبة هما قاعدة تطورنا في مجرى التاريخ والسودان القديم قد ينتهي حتى إلى العلمانية ولكن ستكون (علمانية تحمل طابعه الخاص العروبي الإسلامي)، ليس بمعنى عنصري ولكن كإيمان وثقافة وكقدر تاريخي.. فالدم الذي يجري في عروقكم، يهدر في عروقنا، أيضاً. وحتى الأحزاب العلمانية عندنا لم تفلت من تأثير (الضمير الجمعي هذا).. ولو كانت قمة العلمانية عندنا هي الحزب الشيوعي، فعلمانية الحزب الشيوعي السوداني ليست هي علمانية الغرب وهو ما يقول به محمد إبراهيم نقد عن صدق، وتأثير الضمير الجمعي الديني في الحزب الشيوعي السوداني ليس (تكتيكاً من الحزب) ولكنه حقيقة ماثلة في ضمائر أعضائه وفي قول نقد: إنه «تشرَّب الدين مع لبن الرضاع». الدم الذي يجري في عروقكم يجري في عروقنا أيضاً لذلك لنجعله وداعاً عقلانياً وحميمياً.. وداع إخوان. عرض تلفزيون جوبا مشهداً لجنوبيين يهتفون «باي باي خرطوم.. مع السلامة»، ونحن بدورنا نهتف «باي باي جوبا.. باي باي آن» ولكن ننظر إلى عبارة (مع السلامة) الواردة في هتافات إخوتنا الجنوبيين، عبر تليفزيون جوبا.. ننظر إليها في عمقها.. نريده وداع (سلام) لا وداع (بغضاء) (فالسلامة من السلام.. والسلام هو سر محمد وعيسى، سرهما مع الله ومع الرب).. وجوهر السلام هو (المحبة). وأيضاً في القاهرة، قام بعض الإخوة الجنوبيين بقص خريطة السودان (بالمقص) رمزاً لانفصال الجنوب عن الشمال، لكن (المقص لا، المقص خطر، في ردود الأفعال) لنجعله فراقاً عقلانياً، هلّت بشائره في الاتفاقية الأمنية الخاصة بتأمين مواقع إنتاج النفط عبر الوحدات المشتركة حتى التاسع من يوليو المقبل، حيث أقر الاتفاق تكوين آلية لمراقبة إنفاذ هذه الخطة الأمنية والتدخل الفوري لاحتواء أي طارئ، على أن تكون هذه الآلية برئاسة وزير الداخلية بالحكومة الاتحادية، ومدير جهاز الأمن ولمخابرات الوطني عضواً، ونائب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني عضواً، وقائد الوحدات المشتركة المدمجة عضواً، وقائد ثاني الوحدات المشتركة عضواً).. جريدة الصحافة 7/12. هذه الاتفاقية عبَّرت عن منطق العقل من جانب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية و(ياريت يدوم المزاج العقلاني هذا) فتنتهي الاتفاقية الأمنية بالشمال والجنوب، إلى الانفصال السلس (الخالي من حدة المقصات).. ومنطق مصلحة الشمال والجنوب يقرّ هذا التوجه لضمان استمرار تدفق البترول الذي يشكل عماد اقتصاد البلدين: عائد إنتاجه بالنسبة للجنوب.. وعائد نقله عبر الشمال، بالنسبة للشمال. هذا التوجه تهدده مصالح القوى الخارجية المتقاطعة في السودان التي بدأت إرهاصاتها في تخطيط بعض الدول الغربية وإسرائيل لجعل الجنوب قاعدة انطلاق لحركات دارفور في حربها مع الخرطوم، وربما تكون محاولة لإسقاط نظام الإنقاذ بعد ضمان انفصال الجنوب، في يناير القادم. في حوار مع باقان أموم، الأمين العام للحركة الشعبية، نشرته، أجراس الحرية 9/12، نفى باقان أن تكون الحركة أداة طيعة لأمريكا وقال بأن الأمريكان دعموا الحركة تعاطفاً مع الجنوبيين (يا ولد!؟ لغة السياسة هي المصالح يا باقان) نعم أمريكا دعمت الجنوب وأيضاً دعمته إسرائيل، وحان الآن أوان تسديد الفواتير.. خاصة فاتورة إسرائيل، والملاحظ أن باقان لجأ أخيراً لتخفيف الحدة والعنف في تصريحاته، فهو حتى لو كان يرى استحالة استمرار العلاقة السلمية بين الشمال والجنوب، بإملاء طموحاته الشخصية إلى السودان الجديد، فهو يدرك خطورة تعريض تدفق البترول للخطر، وأيضاً فإن تنمية الجنوب وتقويته هي خطوة عند باقان، إلى السودان الجديد، وشرط التنمية في تدفق البترول. ليس هنالك ما هو أشد خطراً من إيواء الحركة الشعبية لحركات دارفور، لكن اللوبي اليهودي ومن ورائه إسرائيل وعلاقة إسرائيل باليمين المسيحي وبالجمهوريين في أمريكا، فيما يبدو من أحداث، قد فرضت هذه القوى على الحركة الشعبية إيواء حركات دارفور، الخطرة على الجنوب، في هذه المرحلة من عمره (طفلاً يحبو). قال باقان في الحوار المذكور (كلما احضر إلى أمريكا يقولون إنني حضرت لأخذ تعليمات من الأمريكيين.. علاقتنا بأمريكا ليست سرية.. نعم ساعدونا عندما كنا في الغابة لأنهم أحسوا بأننا مظلومون بعد أن أعلنت حكومة البشير الجهاد الإسلامي علينا.. ونعم يساعدوننا الآن لتقوية حكومة الجنوب.. ونعم يساندون الآن الشمال والجنوب لإجراء الاستفتاء والاعتراف بنتيجته).. وعن استخدام أمريكا للحركة الشعبية في حربها ضد الإرهاب، قال باقان: «نحن لا نخدم أهداف غيرنا.. نحن نخدم أهدافنا». خدمة أهداف الجنوب في المرحلة الحالية تتمثل في ضمان تدفق النفط عبر الشمال إلى الخارج، ولو لثلاث سنوات، يتم في أثنائها إنشاء خطوط بديلة لنقله عبر ميناء ممبسا الكيني، مثلاً، كخيار جنوبي كيني، مطروح.. وهذه المصلحة الجنوبية يدركها باقان جيداً. ولكن حان وقت تسديد الفواتير وخدمة أهداف الغير، بعكس نفيك يا باقان، وعلى وجه الخصوص خدمة أهداف إسرائيل.. فأشدّ داعمي الجنوب تأثيراً، الدعم الذي قال به باقان، جاء من التيار اليميني المحافظ في الحزب الجمهوري.. وهذا التيار اليميني ذو علاقة وثيقة بإسرائيل وهو الذي دفع الرئيس بوش (الابن) لتبني مخطط تغيير خارطة الشرق الأوسط في خدمة إسرائيل، ابتداءً بالعراق، وأيضاً من أشد داعمي الجنوب تأثيراً، هو التحالف البرلماني الأسود، والتحالف المسيحي الأصولي وثيق الصلة باللوبي اليهودي وبإسرائيل. كل هذه التحالفات كان لها أثرها في أوباما إضافة إلى الديمقراطيين اليساريين ودفعته إلى (إرسال عصابة الأربعة) إلى السودان، ودفعته إلى نقل عبد الواحد محمد نور إلى جوبا بالتخطيط مع إسرائيل وفرنسا.. وطالما أن أمريكا على الخط فإن معهم بالطبع (رديف الموتر.. النكتة التي يطلقها الأوروبيون على بريطانيا لتبعيتها الدائمة لأمريكا). عن مجيء عصابة الأربعة للخرطوم يقول لوكا بيونق، القيادي في الحركة الشعبية، وزير مجلس الوزراء (الفترة المقبلة ستشهد تغيرات في السياسة الأمريكية تجاه السودان وتبني سياسة أكثر تشدداً وقد يُسحب من المبعوث الأمريكي الخاص، سكوت غرايشن، ملف السودان.. وأضاف بيونق أن النداءات التي انطلقت أخيراً من الكونجرس الأمريكي بشأن إرسال أربعة من قيادات الإدارة السابقة بينهم وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون ووزير الخارجية السابق كولن باول، جاءت بسبب مواقف الأربعة الحاسمة تجاه السودان). وعن تحالف الديمقراطيين اليساريين والجمهوريين وتأثيرهم على أوباما، يقول بيونق: ربما يتم تقليص دور غرايشن ليقود ذلك في النهاية لبعض التغييرات حتى بعد الاستفتاء وذلك لعدم مقدرة غرايشن على مواجهة المواقف الواضحة للجمهوريين التي اتفقت مع الديمقراطيين اليساريين على التعامل مع السودان بطريقة مختلفة وسيكون غرايشن هو الضحية) الصحافة 6/12. كولن باول في السودان (Again !؟)، هي إذن عودة الحرس الجمهوري القديم.. من قبل زار باول السودان (قادلاً.. في الخرطوم بالتي شيرت)، ومؤججاً لنيران دارفور.. وجاء الآن ليتم الناقصة) هي إذن عودة الحرس الجمهوري القديم بإيعاز من الكونجرس الأمريكي (خادم إسرائيل، في أمريكا) فلا عجب أن سبق تحليق طائرة (عصابة الأربعة) في سماء الخرطوم، طائرة، مطية إسرائيل، عبد الواحد محمد نور، محلقة في سماء جوبا، جاء في أخبار اليوم 12/12 نقلاً عن SMC (كشفت مصادر عليمة أن زيارة عبد الواحد محمد نور، رئيس حركة تحرير السودان، إلى الجنوب، تمت بإشراف وتخطيط من جانب أربعة أجهزة من أجهزة المخابرات العالمية وهي: المخابرات الأمريكية، الإسرائيلية، الفرنسية، والبريطانية.. وتم تنفيذ نقل محمد نور من قِبل المخابرات الأمريكية بمشاركة قوات المارينز.. إضافة إلى تنفيذها لخطة تمويه وخداع تحسباً لأي خطر يطال خط مسار عبد الواحد من فرنسا إلى جوبا، وأكدت المصادر أن زيارة عبد الواحد تمت بواسطة رئيس مكتب الأمن السياسي بوزارة الدفاع الإسرائيلية). جاءت ضمن الوثائق الأمريكية السرية، التي نشرها على الملأ موقع (ويكيليكس) الإلكتروني، وثيقة تكشف عن أن أحد خيارات أمريكا لإسقاط نظام الإنقاذ، إنشاء تحالف يجمع بين الجيش الشعبي لتحرير السودان وحركات دارفور والمعارضة بالداخل، ورد ذلك في خبر نشرته جريدة الصحافة، تعرضنا له في موضع سابق، غير هذا المقال. ومن المؤكد أن المعارضة لن ترضى لنفسها بأن يشملها مثل هذا المخطط التأمري، وبوجود حركات دارفور في الجنوب وتطور الأوضاع في أبيي فإن الوضع خطير، يتطلب تجاوز أزمة الثقة الناشبة بين الحكومة والمعارضة ويتطلب من المؤتمر الوطني، بوصفه صاحب السلطان، بسط يده للمعارضة في إجماع وطني حقيقي. هل تريد أمريكا وتريد الحركة الشعبية فرض سياسة الأمر الواقع في أبيي؟ جاء على لسان المقدم الصوارمي خالد سعد، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة عن وجود قوات حركات دارفور، في الجنوب: «استمعت باذنيَّ خلال اليومين الماضيين إلى تأكيدات من الجنرال غرايشن، المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص بالسودان، بالوجود الفاعل لقادة حركات دارفور بالجنوب». هل في تأكيد غرايشن لوجود حركات دارفور بالجنوب، أثر من غضبة الجمهوريين والديمقراطيين اليساريين عليه، وغضبة اللوبي الأسود واللوبي اليهودي ومن ورائه إسرائيل. (ناقلة عبد الواحد نور، للجنوب) بما جاء في حديث لوكا بيونق، سالف الذكر. الملاحظ أن غرايشن سبق أن هدد الحركة الشعبية في شأن أبيي، بأن أمريكا لن تقف إلى جانبها لو تجددت الحرب بين الشمال والجنوب، فهل جاء ضغط اللوبيات المذكورة وراء نية أوباما تنحية غرايشن.. ما يعني هزيمة أوباما نفسه أمام هذه اللوبيات وأمام الجمهوريين، فكانت تداعيات أبيي مؤشراً لهذه الهزيمة بفرضه لسياسة الأمر الواقع، استجابة لضغوط اللوبيات، في أبيي. وعن دخول قوات الحركة الشعبية لأبيي يقول الصوارمي، أخبار اليوم (المعلومات المؤكدة المتوفرة لنا أن الجيش الشعبي دخل أبيي في قوة كبيرة: عشر دبابات وخمس عربة لاندكروزر، وهي قوة لا يُستهان بها خاصة في هذه المرحلة ونحن على أعتاب الاستفتاء بالجنوب، وهو تطور يصب في خانة تعطيل استفتاء أبيي والذي يبدو أن بعض الجهات لها مصلحة في عدم قيامه في مواعيده). هل لأقوال الصوارمي هذه عن مساعي بعض الجهات بمنع قيام استفتاء أبيي في موعده، علاقة بتصريحات سابقة لدينق الور، من قيادي الحركة الشعبية ومن أبناء أبيي، جاء على لسانه في أجراس الحرية 9/12 (إن الوسيط الجنوب أفريقي، ثامبو أمبيكي، طرح ستة مقترحات اختارت منها الحركة المقترحين الأول والثاني اللذين يتعلقان بإجراء الاستفتاء في موعده، أو ضم أبيي للجنوب بقرار رئاسي). يقول ألور عن إجراء الاستفتاء في موعده بما يتوافق وأقوال الصوارمي، بأن الوقت ليس فيه متسع لإجراء الاستفتاء في الموعد المقرر له.. أي أن الحركة الشعبية أسقطت قبولها بالمقترح الأول وأكدت الثاني، يقول ألور «إن الحركة قبلت بالمقترح الثاني، أي ضم أبيي للجنوب بقرار رئاسي.. وهو أمر يرفضه المؤتمر الوطني الذي اختار مقترح تقسيم أبيي إلى جزئيين، شمالي وجنوبي». هل نجد صدى أقوال ألور في تصعيد الموقف في أبيي، من قبل الحركة الشعبية؟ إذن فهي سياسة حافة الهاوية، وما من مخرج إلا بالتراضي الوطني الشمالي، الحقيقي.