في الوقت الذي تسعى فيه كل أوروبا لتوحيد نفسها تتباهى الإدارة الأمريكية وتقول إنها سعيدة أيما سعادة بانفصال الجنوب. بل وتتواصل البجاحة لدرجة القول بأن هذا إن تحقق هو إنجاز لأوباما في أفريقيا والعالم، فالأمريكان الحاكمون العالم يتدافعون نحو الاستفتاء في السودان لكأنما الجنوب هو الولاية رقم (56) هناك في بلادهم. تبادل لأدوار وأقوال المبعوثين الأمريكيين وتشجيعات هنا وهناك وحديث حول حوافز وعصا وجزرة ومد وجزر، وكل هذه سياسات مجربة في كل المناطق يحاولون تسويقها والتلويح بها على الدوام، وهي سياسات جميعها لا تخرج عن كونها إنتاج للأزمات من جديد. الآن يتحدثون عن دولة السودان الشمالي بعد الانفصال وعن تفادي العزلة كأنما دولة الجنوب قامت وتكونت بها المؤسسات. تارة يقول جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي أن على واشنطن المساعدة في إيجاد طريقة سلمية نحو مستقبل السودان ويؤكد دعم الولاياتالمتحدة للسلام في السودان، وتارة يقول المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن وليته قد سكت حسب اسمه الأول، إنه لا وقت لإضاعته، وأحياناً أخرى يقول هناك صعوبات تواجه الاستفتاء بالنظر إلى النزاع في أبيي، وتارة أخرى يحذر الرئيس الأمريكي أوباما الشريكين في الحكم، وأحياناً أخرى تتسرب تصريحات أمريكية وتقول إن التقسيم ليس للجنوب فقط بل سيطال مناطق أخرى. هذا هو المشهد والموقف الأمريكي والأسابيع ضاقت على موعد الاستفتاء، موقف يبدو فيه التناقض واضحاً تجاه السودان، وإذا ما أخذنا أحاديث كل المسؤولين الأمريكيين فما الذي يُضير بلادهم إن قام الاستفتاء في مواعيده أم لم يقم؟ وما الداعي لإدخال كل هذه الأنوف في شأن داخلي موجود منذ الأزل؟ فالسودان حتى هذه اللحظة لم يطالب الآخرين بالتدخل لحل إشكالاته ولم يطلب عوناً ولا سنداً لتشكيل مستقبله وخياراته ومصير أبنائه. فهل نجحت أمريكا في الشرق الأوسط حتى تقدم لنا الأنموذج الذي نتمناه ونسير عليه؟ لماذا لا تكون كالعروس تُطلب ولا تعرض نفسها؟ أين هذا السجل الناصع الذي نراه لها في كل العالم حتى تكون دولة مناصحة واستعانة ونجدة فهي حتى هذه الساعة لم تنجح في المسرح العراقي ولا الأفغانستاني وخير دليل وبرهان هنا تصريحات الرئيس الأفغاني حامد كارزاي التي قال فيها إنه يرى لا فرق بين الأمريكان وطالبان فيما يشهده المسرح الأفغاني. ونتمنى أن لا يصل قادة الجنوب بعد أن يكون دولة لهذه النتيجة التي وصل اليها حامد كارزاي. إذن فالانفصال المحمول جواً لابد من أن يصطدم بالواقع وهو مثله مثل الديمقراطية المزعومة أيضاً والمحمولة جواً، فكم شهدنا حتى إبان تصدير الأفكار والثورات في عهود النازية والشيوعية كيف أنها انهارت وماتت لأنها جاءت في شكل طرود خارجية، عليه فالرصيد جميعه ليس فيه بشائر خير وسيفيق الجنوب قريباً ويلفظ هذه الطرود الملغومة الممسوحة بكل ما هو معسول من حلو الفكرة والشعار والعناوين، فأهل الجنوب قبل الاستفتاء عليهم أن يحسبوها جيداً بمنظور الربح والخسارة حتى لا تسير الأمور عكس التيار وضد التاريخ.