مشتعلون بالأحمر على صدورهم نياشين، من زمان الحروب الكبرى القديمة، مذّهبون بخيوط ذهبية تهذب أناقتهم وتزيدها خيلاء، يرتدون لحضورنا آلاتهم النحاسية البراقة، التي من فرط نظافتها تكاد تضاهي الذهب صفاء.. تبرع فرقة (سلاح الموسيقى) العسكرية في الإعلان عن الأعراس بعد إجراء مراسم العقد الشرعي، بنغمها المجلجل في السماء وبأنغام العديل والزين وأغنيات السيرة والحماسة لهذه المناسبات، فيطرب أهل العرس ويعرف أهل الحي الشرط الأساسي للزواج بأجمل إعلان. والإعلان الرسمي للحرب منذ قديم الزمان بالنفخ على آلة (البوق) الشهيرة التي منها خرج اسم (البروجي) ذاك الحارس الذي يقف مراقباً في أعلى برج في المملكة - قديماً - يراقب غبار الأعداء كي لا تؤخذ الدولة على حين غرة، ينفخ في بوقه النحاسي قوي الصوت كي يعلن عن عقد العزم وربط الصفوف، فقد حان ميعاد الدفاع عن الوطن، هو من أهم الشخصيات في التاريخ العسكري القديم، وفي (جلالة) عسكرية سودانية مميزة: (يوم يضرب البروجي، ينادي يلا هيا.. نجيبك يا الأرانب كان ميتة ولا حية!) - حسنا، فالأرانب هنا مصطلح للعدو الذي يتخذ في الأرنب صفة الخوف والجري عكس ريح العدو والآن في التاريخ العسكري الحديث يوافق (البروجي) كشخصية شعبة الاستخبارات العسكرية بأكملها، رغم ان أبواقهم أسرع خبراً وأخفض صوتاً! وأصوات الأبواق والنحاس، الذي يعني بشكل غير معروف آلة الطبل الكبير الذي يعتبر نوعاً من أنواع الرسائل الصوتية القوية لسريات الجيش التي تكون في المقدمة أو العكس لإخبارها بأمر أو تحذيرها من شيء، هي آلات طرب المعارك، إذا صح أن تكون المعارك ذات طرب؛ وهي التي تفسح الطريق وتعلن عن وصول النصر في حال النجاح في معركة، كما أنها هي التي توقد حماس الشعب فيتراقصون بطربها حول الجنود حماة الأرض والعرض. والعروض الجميلة التي تقدمها فرق الموسيقى في الجيش والشرطة خرجت من نطاق المعارك وساحات الحرب لمّا تطورت السياسة وصار اللجوء إلى الحرب وسفك الدماء المباشر، ضرباً من الجنون السياسي لا يتوافق مع حضارة الحروب الباردة! لهذا تنحصر في الدول المتخلفة سياسياً واقتصادياً، ودخلت نطاقات أكثر تقرباً من الناس وضبط الإيقاع على صفاء الأرواح، فجاءت مرتبة الصفوف ومنسقة الأزياء، لدرجة البريق، منظمة جداً لدرجة أنك تتخيلهم ينفخون برئة واحدة ويدقون بيد واحدة ! تستقبل الوفود الرسمية وتحيي الليالي التذكارية الوطنية، وتدشن الافتتاحات الرسمية، وتبارك عقود الزواج الشرعية، بل وتختتم تخريجات الدفع الدراسية من رياض الأطفال وحتى الجامعات.. تجمع في نوتاتها الموسيقية كل الألحان ممكنة العزف على الآلات النفخ والطبل.. تحاول إرضاء جميع الأذواق التي تدفع مقابل طربها الجميل.. تتكفل بأن تكون هي الجوقة العازفة والمغنون هم أصحاب الاحتفال وضيوفهم ما عدا الرسمي طبعاً ينافسون في ذلك فرقة (الكيتة) الشعبية البارعة بأبواق نفخها المحلية، في رفع إيقاع أي شخص مهما بلغت دموع فرحه حد أنفه! يصفق لها الحضور جداً حتى لا تكاد تنتهي. لهذا تنتهي في حياتنا أبداً مصادفة الألحان في ترتيب المزاج والروح، فراح يستقطب بذكاء محترف وبتنظيم مستمر لمهرجانات الجلالات العسكرية، سلاح الموسيقى العسكري - الشعبي، كافة الملحنين والمغنين في محاولة ناجحة لإشعال نار الحماس في المهرجانات الخاصة والعامة، وربما لجعله حال انتهاء الحرب من خيالنا وبلادنا، البديل لتخفيف صداع نغم الدانات والرصاص..!