{ ولأن الخرطوم جميلة بنيلها وليلها والأهم جمال ناسها، استحقت أن تحتفي أمس الأول ببدء فعاليات أماسي الخرطوم الموسيقية برعاية وزارتي الثقافة الاتحادية والولائية. وصراحةً أول ما لفت نظري وأنا أدلف لمكان الاحتفال الذي اختُير أن تضمه حدائق المتحف القومي، أن أدهشني هذا المكان الجميل الذي يحمل روعة في مشهده الهندسي وروعة في قيمته التاريخية خاصةً وأنه يحتل موقعاً مميزاً في ولاية الخرطوم يحمل لمسات التجديد العمراني التي طالت المدينة منذ سنوات، فتبرجت وتجملت بأكثر من بناية تتعلق بها العيون ولا يقطع إطالة النظر عنها إلا جسر توتي الجميل الذي جعل الجزيرة الوادعة امتداداً لمساحات الجمال في الخرطوم. { ولعل جمال هذا المشهد وقيمة المناسبة التي يضمها كانت كفيلة بأن تجعل الجهة المنظمة لهذا المهرجان حريصة على دعوة الكثير من الجاليات العربية والأوروبية وطواقم السفارات، بل أن تكون حريصة على حضورهم لأنها فرصة في أن نخاطبهم باللغة الجامعة، لغة الموسيقى، وليشهدوا بأعينهم ويسمعوا بآذانهم سِفر حضارتنا في المكان وسِفر حضارتنا غناءً وموسيقى. { ولعلي قد لاحظت أيضاً أن البرنامج قد خلا تماماً من أي اسم لفنان شاب وكلنا نعلم أن الشباب يشكون لطوب الأرض أنهم لا يجدون منفذاً لأعمالهم إلا من خلال بيوت الأعراس، فيضطرون أن يواكبوا الجو العام بها، فيغنون ما يغنون، حتى لو كان ذلك يضعهم في خانة الهبوط، في الوقت الذي لديهم فيه أعمال محترمة وجادة يحتاجون أن يسمعها مستمع جاء ليطرب وليس ليرقص وينطط. { في كل الأحوال أعتقد أن وزارة الثقافة ووزيرها قد بدأ في تلمس الطريق الصحيح لأن تعود الخرطوم لسابق عهدها النضير يوم أن كانت مسرحاً لكل جميل. وكم أتمنى أن تواصل الوزارة هذه الأماسي لنشهد أماسي الخرطوم للفنون الشعبية وأماسي الخرطوم لمسرح الطفل وأماسي الخرطوم للشعراء الشباب وأماسي الخرطوم للأكروبات. لكن سيدي الوزير يرجف قلبي وأضع يدي عليه كلما شاهدت في مثل هذه المهرجانات كثرة الداخلين والخارجين والموظفين فيه، وكلما كثرت البدل البتطلع وتنزل من المسرح وده يصلح المايكروفون وداك يهمس للمذيع وهذا حريص أن يكون موجوداً في المكان الذي يلاحظه فيه الوزير لأن وجود هؤلاء ببساطة يعني أن الموضوع فيه قروش وكل خطوة بمقابل، لذلك أخشى ما أخشى ونحن سعيدون بشد حيل ضهر الثقافة؛ أن ينقطع قلب البلد بميزانيات مهولة تفوق الحد الطبيعي للصرف على مثل هذا المهرجان. فياريت ألاّ تكون فرحتنا بأماسي الخرطوم فرحة مهددة بالسكتة القلبية ما أن نعرف الرقم الحقيقي الذي صُرف عليها. { بالمناسبة في الليلة الأولى حرصت اللجنة المنظمة، وأفتكر أن لديها ميزانية للضيافة، حرصت على إكرام الضيوف في صف الوزير والصف الذي يليه، لكن هل تعلم سيدي الوزير أن الصحفيين الذين كانوا وراءك بثلاثة صفوف لم يجدوا حتى جرعة ماء يحللون بها صيامهم الذي بدأ منذ السابعة وهم حضور لليلة الافتتاح. بعدين سيدي الوزير مثل هذه الأماسي يا حبذا لو أن تقديم لياليها مُنح بالكامل لمذيعين من العيار الثقيل ليمنحوها الثقل الذي تستحقه وهم نجوم أيضاً يُشار اليهم بالبنان. { على فكرة، الحضور الرهيب من الجمهور الذي شرّف الليلة الأولى يؤكد أن المواطن السوداني، ورغم الصدمات والأزمات التي يواجهها، إلا أنه لم يفقد حسه الفني ولا استعداده لبذل وقته للاستمتاع بالفن الراقي الجميل. وبالمقابل سأحرص بدوري على حضور معظم، إن لم يكن كل، أماسي الخرطوم لأنها فرصة حقيقية أن نمتع عيوننا بجمال المكان وآذاننا بروعة محتوى الأماسي. { كلمة عزيزة أنا شخصياً استمتعت جداً بأداء فرقة الدكتور الفاتح حسين التي وجدت تجاوباً منقطع النظير من الحضور، وبالفعل كان جيتار الفاتح مغنياً صداحاً يتكلم بلهجة سحرية تنفذ الى القلوب مباشرة. { كلمة أعز إشادة الشاعر الكبير محجوب شريف بإسراء عادل مذيعة النيل الأزرق يؤكد أن رأيي فيها لم يكن مجاملة. وإسراء بأدائها الممتد تفضح بعض اللاتي يعتمدن في وجودهن على الماسكرا والعدسات اللاصقة وغير كده ما فيش..!!