لكل أناس «رأس سنتهم»، فتشاء الأقدار أن تكون أمسية الثلاثاء الفائتة هي «رأس سنتنا»، نحن أمة الأهرامات، الماضي العريق والحاضر التليد، فقد وصلت مبكراً إلى «صالة كزام» بالخرطوم، المكان والزمان المخصصين لهذا الاحتفال، وصلت مبكراً جداً ولم أعرف إن كنت أنا ضيفاً أم مضيفاً، أأذهب لأجلس في أمكنة الضيوف أم أقف على بهو الصالة الباذخة المطرزة بالثريات لاستقبال الضيوف؟! من سيحتفل بمن؟! هل سيأتي الآخرون ليحتفلون ب«فريق الأهرام» الذي نفذ وخطط لعام صحافي كامل وباهر، أم سنحتفل نحن بالآخرين في هذه الليلة؟!، وبقيت لفترة متأرجحا بين الحالتين، لكني رأيت أخيراً أن أضطلع بالدورين، أن أكون لبعض الوقت متوفراً ببهو الصالة لاستقبل بعض الحضور، ثم أذهب لأجلس بين الحضور لبعض الوقت، والسؤال يطاردني «لمن تقرع الأجراس» في هذه الليلة؟، من يحتفي بمن؟!، ولو كان الحضور في هذه «الليلة الأنيقة» هو جمهور القراء لما ترددت في القول بأن المحتفى به «هم القراء»، فهم أبطال هذه القصة، فما قيمة ما نكتب لولا أن «أربعين ألف مواطن قارئ» أو يزيدون، يذهبون في كل صباح للمكتبات ليدفعوا ثمن ما نكتب! وهل كنا سنحتفل هنا هذه الليلة إن هم لم يشتروا ولم يسددوا قيمة ما نكتب! لكن القراء هم «الغائب الحاضر» في هذه الليلة، فالبطل يغيب في ليلة عرض مسرحيته التي صنعها في عام كامل (قشة قشة)، ونسخة نسخة، وكيف أن النسخة تبني جنة! فالأربعون ألف قارئ الذين لا تسعهم كل الصالات مهما اتسعت، ستتسع لهم أفئدتنا وقلوبنا، سأستدرك في غدوي ورواحي بأني أتحرك بحمولة «أربعين ألف قارئ»، ما أثقلها حمولة وما أعظمها مسؤولية، وأصدقكم القول كادت الدموع أن تفلت من عيني والأخ الأستاذ عمر الجزلي يكاد «يُسمّع لي» ملاذ يوم الاحتفال، لم يكتف الرجل البرامجي التوثيقي الأشهر بأن يقول «أنا أقرأ لك يومياً»! فذهب كما لو أنه يقدم دليلاً مادياً وهو يسرد لي قصة ملاذاتي، لم أستوعب أن تكون الملاذات «اسماً في حياة الجزلي» وآخرين، لطالما كان الجزلي وآخرون «أسماء في حياتنا»، وسيناريو هذه الدراما يبدو في مسلسل عام كامل من حلقات الشخبطة، ثم تأتي تجلس مع آخرين في نهاية هذا العام لتجد شخبطتك في عيونهم، تلك الشخبطة التي لا تلقي لها بالاً تفعل الأفاعيل. إذن اليوم نحن نجني حصيلة شخبطة عام، شخبطتنا تنجح، إذن فلنذهب في صناعة المزيد من الشخبطة، أن نجوّد الشخبطة، لكنهم يعقدّون مهمتنا بهذه الأمسية التي تستشعر فيها بثقل حمولة أربعين ألف طن، أعني أربعين ألف قارئ، والجزلي ليس وحده فهناك أوزان أخرى ثقيلة، مرة التقيت بالشيخ الكاروري فقال لي «إننا نقرأ الملاذات» فليته لم يخبرني بذلك، فما ذهبت بعدها لأكتب مقالاً حتى استحضرت أن من ضمن الذين يقرأون هذه الملاذات الشيخ الكاروري فتصعب علي هذه المهنة.. فاخترت أن أجلس على طاولة يتسوّر حولها إلى جانب الأخ الأستاذ الجزلي، التشكيلي جهير السيرة الأستاذ راشد دياب، فنان بحجم وطن، والأخ الأستاذ العبيد أحمد مروّح الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات، والأستاذ إسحق الحلنقي، والأستاذان علاء الدين الخواض وماجد السر، إلا أن الجزلي كان «الصاحب بالجنب»، والجزلي لا يزال يذكر «حوشهم المديد» بحي الدكة الشهير ببربر، فبالمناسبة من يوثق لعمر الجزلي الذي وثّق لآلاف السودانيين في كل المجالات والميادين والفنون؟، «أن تكون بمثابة ذاكرة في وسط شعب شفاهي» فهذا شيء يستحق الاحتفاء، وهذا موضوع آخر سنعرض اليه في حينه. فاليوم يوم الوفاء، والليلة ليلة الأهرام، و«عقد الجلاد» لا أعرف كثيراً مما ينشدون لقصور مني «والبلابل» دفعنني للتساؤل، أين سبدرات.. «غياب القمرة عن ليل القماري»، كانت أفضل الأوقات وقمة لحظات طربي عندما تذهب الموسيقى في فاصل استراحة لأعود للحضور والسمر الجميل، فقد لا يجود الزمان بجلسة أحد نجومها «راشد دياب»، وفي المقابل قد تجود كل الفضائيات وأنت على «سرير حجرتك» فتوفر لك كل أطباق الغناء السوداني. { مخرج.. «الأهرام».. قصة قد كتبنا في عامها الأول «مشهدها الافتتاحي» غير أن فصول مشاهدها الجميلة لم تبدأ بعد.. وللقصة بقية.