ما أشبه الليلة بالبارحة، ذات التساؤل يلاحقني، فمنذ الاحتفال الفائت وأنا لم أجد إجابة تخمد مشاعري المتأرجحة، عام من التساؤل يتجدد عند عتبة قاعة الاحتفال، احتفال العيد الثاني، من يحتفل بمن؟! هل أذهب لأجلس على مقاعد المحتفى بهم، أم أقف على بهو هذه الصالة الرحيبة لأستقبل القادمين؟!، هل أنا ضيف أم مضيف؟ هل تقرع الأجراس وتشتعل القناديل من أجلي ومن أجل رفاقي في الأهرام، أم أننا نضئ الشموع للآخرين، أم نخضع لمقولة ذلك القائد الصيني التأريخي فندخل إلى «قاعة كزام» كما يدخل الثوّار، فقد أطلق الزعيم الشيوعي الصيني ماو في أربعينات القرن الماضي مقولته الشهيرة التاريخية «الثورات يخطط لها الأذكياء وينفذها الأبطال ويستغلها الحصفاء»، لا أعرف في أي درجة يمكن أن أسكن ملاذاتي؟ وإن لم ننل إلا شرف أن نسجل أسماءنا فقط في هذه الملحمة التي يصنعها آخرون، فهذا حسبنا من الشرف، فأنا شخصياً أمدد أرجل احتفالي بمقدار كسبي وعطائي المتواضع في بناء هذه التجربة الإعلامية العظيمة، فهل من العدل أن نتساوى في درجات الفرح، فأنا لا أجرؤ على أن أتجاوز بفرحي سقوفات عطائي، فمؤسسة الملاذات هي كتيبة صغيرة في هذا المتحرك الكبير الذي انطلق منذ عامين باتجاه قمم أهرامات مدائن الثقافة والفكر الفاضلة. وهذا الموقف يذكرني بواقعة طريفة بطلها الشهيد الزبير محمد صالح، قيل أن أحدهم قد لفت انتباه الشهيد الزبير، وهم يومئذ يطوفون حول الكعبة المشرفة، بأن ذلك الرجل السوداني الذي يمسك بأستار الكعبة ويبكي بكاء شديداً، هو بالكاد من الشيوعيين السودانيين، فقال الشهيد الزبير (كل زول يبكي قدر ذنوبه)، لذا كنت «ليلة القبض على أفراح الأهرام» أرزح تحت وطأة هذه «المشاعر»، احتفل بقدر عطائي الشحيح، غير أن الكثيرين كان بوسعهم استغلال كل سقوفات الفرح المتاح ولم يرتد إليهم «شيك» لأن أرصدة الفرح كانت أكبر من سحوباتهم، وربما تكون هذه «نزوعات شخصية» في عدم اللجوء لسحب كل أرصدة الفرح في ليلة واحدة بشيك معتمد، وإن كانت لهذه الطريقة من ميزات، هي أنني قد رجعت ببعض الفرح، وأيضاً ببعض الأعباء، فهذه المهرجانات من الفرح والثناء التي يبذلها لنا الآخرون فإنها تعقّد من مسؤولياتنا وتصّعب من مهامنا، فكل ما نجلس بعدها لنحرر ملاذاً نستذكر ثقل تلك المشاعر فتتعثر كلماتنا، قال لي القارئ عبدالقيوم يوم أن تعطلت الأهرام، «كأن عمارة تنهار الآن أمامي»، قالتها الأستاذة الجامعية عزة من الحصاحيصا «أنا لا أعرف أن أبدأ يومي بغير الأهرام»، أما الدكتورة نعمات فاكتفت في رسالتها الهاتفية بأن تستعصم بقدسية «الله المستعان»، والأستاذ محمد عجول يخسر كل يوم مكالمة هاتفية لتكسب مشاعر ملاذات الأهرام، وآخرون لا تسعهم هذه المساحة، لقد انتبهت من هول تلك «المهاتفات المفجوعة» بأن (شخبطتنا) تلك قد اتخذت لها مقاعد في أفئدة بعض الذين يشترونها كل صباح، وربما تكون هذه هي الإجابة على سؤال «لمن تقرع الأجراس وتشعل القناديل» في ليلة الأهرام، للقارئ الكريم، فما قيمة أية صحيفة بمعزل عن جمهور القراء، فإن الصحيفة هي القراء ما بقيت، فإن همو ذهبت مشاعرهم ذهبت، فالقارئ هو الذي يحمل «الرقم واحد» في هذه المعادلة، وهو الذي يذهب في كل صباح جديد لينتخب بحر إرادته جريدته المفضلة، فنحن نواب منتخبون من شعب وجماهير الأهرام، فيفترض أن نقوم بواجباتنا ومسؤولياتها تجاه قضاياهم، يجب على كاتب الأهرام أن يتحرك بمسؤولية 35 ألف قارئ فوق رأسه، أن يكون رأسه وعقله مشحونين بخمسة وثلاثين ألف طن من القضايا والهموم التي تبدأ من الخبز ولا تنتهي عند الحريات والحياة الكريمة. ونحن نذهب لإشعال «شمعة ثالثة» في نفق ليل أزماتنا الحالك، نأمل أن نكون جزءاً أصيلاً من الحلول، فالصحافة معنية أيضاً بطرح سبل وأفكار المخارج، على أن العهد الذي بيننا وبينكم هو طرح الهموم والقضايا، فإن صلح طرحنا.. مخرج.. شكراً لاختياركم السفر يومياً على خطوطنا المتجهة إلى مطارات وموانئ الخير والحكمة والالتزام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..