أحفظ لأحد الصحافيين العرب قوله «إن زكاة فقراء الدول الغنية تذهب لأغنياء الدول الفقيرة»، وكان الحديث يومئذ عن توزيع الثروة وتداول الأموال، حتى «لا يكون دُولة بين الأغنياء». فالفقراء أصلاً لم يكن بمقدورهم تكوين «جمعيات وجماعات» تكون مؤهلة لتلقي دعومات الدول الغنية، والمفارقة تبدو في أن «فقراء الدول الغنية» هم الذين ينفعلون بهذه القيم، وذلك لكون المُترفين مشغولون بأنفسهم وأموالهم وتسفارهم. { مدخل ثانٍ.. وكنت دائماً أخشى أن تُطبّق علينا مقولة ذلك الصحافي العربي على المستوى الداخلي، بحيث تذهب أموال وتحويلات «بنوك الفقراء»، إن لم تكن لأثريائنا، فربما تذهب «لجماهير الطبقة الوسطى». فالحكومة من جانبها تبدو مشغولة بهموم الفقراء وتمويل مشروعاتهم الصغيرة، لكن تكمن الأزمة في أن «طبقة الأفندية» هي التي بمقدورها أن تطرح مثل هذه المشروعات وتمتلك لها المستندات والتوثيقات والتسجيلات، لكن الفقراء والمساكين الذين أعنيهم هم الذين لا يمتلكون المستندات الثبوتية ولا يعرفون الطريق إلى مكاتبها فضلاً عن الطريق إلى البنوك. { متن أول.. بعد كل تجارب الأطروحات الإسلامية وتطبيقاتها وتجاذباتها، لقد وصلت إلى قناعة تامة بأن تطبيق الشريعة الإسلامية يعني في المقام الأول «إشباع البطون»، ثم تذهب إلى المرحلة الثانية التي هي «مخاطبة العقول»، فالجوعى لا يستمعون إلا «لأنين أطفالهم» وأصوات بطونهم الفارغة، فإذا أردت أن يحتشد الناس حول مشروعك «فأمِّنهم من الجوع والخوف»، وقديماً قال الشيخ ود بدر «أكان ما عجيني منو البجيني»؟!، وإذا ما خاطبت حاجيات الجماهير فبعد ذلك يمكن أن تفكّر في «إقامة المقصلة» التي يُساق إليها «المجرمون الشبعى».. والله أعلم. { متن ثانٍ.. فمنذ أيام رأيت بعض «هواجسي تتبدد» وبعض أشواقي تتحقق، وذلك «بإدارة العلاج الموحّد» بمنطقة بري، إحدى إدارات مشروع صندوق الزكاة، ليس لأني قد تسلمت «شيكاً دولارياً» يخص أحد أبنائنا الذين يستشفون الآن بالمملكة الأردنية الهاشمية، لكن كان سؤالي المقلق الأول الذي طرحته على الأستاذة سلمى الأمين النقر مدير إدارة العلاج الموحّد، هل كل هؤلاء الذين ينتظرون بالخارج سينالون نصيبهم؟، قالت الأستاذة سلمى بثقة كبيرة «لن نُرجِع أحداً» وفي الحال يستلم المستوفون والمستحقون استحقاقاتهم غير منقوصة حسب الحالة. { متن ثالث.. «إدارة العلاج الموحّد» هي الإدارة التي تُعنى بعلاج الفقراء بالداخل والخارج، سكان ولاية الخرطوم والمحوّلون من الولايات المختلفة، وذلك وفق اجراءات ميسّرة جداً، فهنالك يومان لطلبات «العلاج بالخارج» ومثلهن لعلاج الداخل، ويوم إداري ومروري على بعض الحالات بالمستشفيات التي تحتاج للوقوف عليها ميدانياً، سألت الأستاذة سلمى إن كانت لهذه الإدارة الأموال الكافية لمقابلة الطلبات المتزايدة، فقالت إن السقف الممنوح من الديوان لمقابلة «علاج الفقراء» يكفي، وذلك مع بعض المعالجات والضمانات داخل المستشفيات، أيضاً تمتلك هذه الإدارة «سجلاً ممتازاً ومشرّفاً» للحالات التي استجيب لها من خلال المناشدات الصحافية. { مخرج أول.. فلئن كانت الدول الأخرى تُبنى بمساهمات «دافعي الضرائب» فيفترض أن الدول الإسلامية تنهض «بتكافل دافعي الزكاة» واستطيع من هنا أن أُحرّض «الذين هم للزكاة فاعلون» بأن زكواتهم تذهب إلى مصارفها مباشرة، فادفع عزيزي المزكي وأنت على يقين بأن أموالك هذه أما أن تُقيم صُلباً أو تسند مريضاً. { مخرج أخير.. سيدي عبد القادر الفادني.. ها هو «الديوان» الآن قد أصبح «ملاذاً آمناً» للفقراء، وأنكم قد تجاوزتم «إرهاق الفصل الأول» لصالح بقية فصول «مصارف الفقراء» وعليكم الذهاب أكثر باتجاه مخاطبة هذه الشرائح وأسمح لي أيضاً يا معالي البروف أن أشيد بمجهودات «فريق العلاج الموحّد»، ترتيباً وإنجازاً وتبسُّماً في وجوه الفقراء، والذي هو أعظم من المال «أن تلقى الفقراء بوجه طلِق»..