{ مدخل أول.. «لو كنت تمتلك آلاف الأفدنة، يكفيك صحن أرز واحد» مثل صيني. { مدخل ثان.. «إن زكاة فقراء الدول الغنية تذهب إلى أغنياء الدول الفقيرة».. تنسب لأحد الصحافيين العرب. { متن أول.. بينما كنت أمس الأول أخرج من مباني الصحيفة، إذا برجل يطلب «نصف جنيه» لأجل أن يشتري به كوب شاي، وأصدقكم القول إن هذا الحدث، حدث نصف الجنيه، قد تزامن مع تسلمي لظرف فخيم دُفع إليّ من استقبال الصحيفة، وهذا الظرف المصقول يتشكل من ثلاث طبقات، الطبقة الخارجية كتب عليها بعناية اسمي، والطبقة الثانية تركت بيضاء من غير سوء، والطبقة الأخيرة طبعت عليها رسالة الدعوة، وستندهشون جداً إذا علمتم أن هذه الدعوة قد بعثت إلينا من «وزارة الشؤون الاجتماعية»، الوزارة التي أسندت عليها ولها معالجة ملفات الفقر، وستندهشون أكثر إذا عرفتم أن الوزارة تدعونا لنشهد «ورشة عمل» عن ما يعرف «بالتمويل الأصغر»، التمويل الذي يفترض أنه يخاطب حاجات الأسر الفقيرة والمعدمة، الأقدار وحدها هي التي جعلت الحدثين يتزامنان ويتزاحمان، أعني حادث رجل «نصف الجنيه»، وقصة الظرف الذي ربما يكلف خمسة جنيهات، وبالتأكيد أن نسخاً فاخرة وعدة قد وصلت هي الأخرى إلى كثير من الزملاء الإعلاميين وربما غير الإعلاميين، على أن ثمن كل كرت بإمكانه أن يجلب عشرة أكواب شاي، بمعنى آخر بمقدوره أن يكفي عشرة أسئلة من أمثال سؤال رجل «نصف الجنيه»، وبمعنى أكثر وضوحاً، أن هذه الجنيهات الخمسة ثمن الظرف المصقول الواحد يمكن أن توفر وجبة محترمة لأسرة فقيرة، كأن تكون وجبة فطور تتكون من «الخبز والجبنة وزيت السمسم»، ويستبين الارتباك أكثر في أن هذه الدعوة قد صنعت خصيصاً لمعالجة أحد ملفات الفقر، وكان بإمكان وزارة الشؤون الاجتماعية أن ترسل هذه الدعوات عبر عناوين البريد الإلكتروني التي تزدحم بها وتتزيّن أعمدة ومقالات الصحفيين، وكان بإمكانها استخدام الهاتف مرة واحدة لتبليغ سكرتارية الصحيفة التي تقوم بدورها بإبلاغ منسوبيها، وإن كان لا محالة فاعلة، فكان بإمكان الوزارة أن تستخدم دعوات عادية، وأنا شخصياً كنت سأحترم أكثر هذه الدعوة لو كانت «فقيرة المظهر غنية الجوهر»! وثمة شيء آخر يمكن أن ينال من هذه التجربة الطموحة، وهو على طريقة «زكاة فقراء الدول الغنية تذهب إلى أغنياء الدول الفقيرة»، بمعنى أن الفقراء أصلاً لا يعرفون الطريق إلى المصارف ولا يمتلكون في معظم الأحيان وثائقها ومستنداتها ومسوغاتها المطلوبة، غير أن «أنصاف الفقراء» من العاملين في الدولة والقطاعات المختلفة من (المفتّحين) الذين يمتلكون الوثائق ويعرفون الإجراءات ويجيدون فنون المصارف، فضلاً عن علاقاتهم الممتدة مع رصفائهم من موظفي البنوك، سيكونون المستفيدين الأوائل من هذه التجربة، بل أنا أعرف صديقاً قد وضعته تصاريف الأقدار والحياة في طبقات المجتمع الدنيا، وهو قد وجد نفسه مثقلاً بالالتزامات والمطالبات، وكان في ما قبل «موظف بنك» محترماً وينتمي للطبقة الوسطى «مستورة الحال»، لكن هذا الصديق استفاد من تجربته في المصارف والحياة فتحصل على «عملية صغيرة» في ظرف ثلاثة أيام، وقد يحتاج الذين لا يعرفون الطريق إلى المصارف ثلاثة أشهر لتكملة الإجراءات وسلامة المستندات، صحيح أن صاحبنا لم يرتكب جريرة سوى توظيف خبرته، وصحيح أيضاً أنه ليس بإمكاني أن أوظف حكاية «الظرف المصقول» لأنسف التجربة برمتها، فهذا مشهد صغير في عمليات ومشروعات ضخمة يتبناها الدكتور عبد الرحمن الخضر، والي الولاية شخصياً، وترعاها وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن فقط نذكّر والذكرى تنفع المؤمنين، فيجب الانتباه بأن «لا تسقطوا عند اللمسة الأخيرة»، ألا تهزمكم التفاصيل الصغيرة، كما نرجو تيسير الإجراءات وتذليلها حتى يتمكن الفقراء والبسطاء من الاستفادة من هذا المشروع.. والله أعلم.