الأخ الأستاذ الصحفي المثقف الفاتح جبرة أسهم بفعالية نهار أمس الأول في تبديد لحظات الانتظار ببعض المواقف والطرف، وكنت ساعتئذ برفقة مجموعة من الإخوة الإعلاميين بإدارة العلاج الموحد بمدينة بري نشاطر الأخت الأستاذة سلمى النقر، مديرة هذه الوحدة، نشاطرها لحظة استقبال السيد الأمين العام الجديد الدكتور محمد يوسف لهذه الإدارة «الركن»، لكونها تعنى بمساعدة المرضى الفقراء في عمليات العلاج بالخارج والداخل أيضاً. والبرنامج الذي وضعته إدارة العلاج الموحد لا يخلو من عبقرية، ويمثل قفزة مميزة فوق ركام البرامج المبوبة الرتيبة التي يتقنها الكثيرون، والقصة بسيطة ومعتادة عند الكثيرين، أمين جديد، وزير جديد، مدير جديد، يتفقد إدارات وظيفته، تعطّر له المكاتب وتراق له الطبول ويحرق له البخور، وهذا ما لم يحدث أمس الأول، لو أن سيدة أخرى غير مديرة العلاج الموحد الوقورة لأعدت له متكأ وجمعت كل موظفات الإدارة، ثم أعطت كل واحدة منهن سكيناً، ثم قالت اخرج عليهن، على شرط أن يخرجن في نهاية المطاف بعبارة يوسفية «ما هذا إلا ملك كريم»، لكن الأستاذة سلمى النقر أعدت لأمينها الجديد «ما يشبه الكمين»، المسؤولون عبر تاريخ المؤسسات يسترهبون الإعلام، غير أن الدكتور محمد يوسف الذي لم يمض أكثر من عشرة أيام في وظيفته الجديدة قد أبدى سعادته وارتياحه لهذه البرمجة المستحدثة، أن يتفقد الرجل أقسام هذه الإدارة ثم ينتهي تطوافه إلى «جلسة مفاكرة» مع عدد من الإعلاميين تكون أقرب لثقافة «تقديم الرؤى» والتعرف أيضاً عن قرب على السيد الأمين العام الجديد لديوان الزكاة وهو يخلف «رجل الزكاة التاريخي» البروفيسور عبدالقادر الفادني الذي لبث عمراً في هذا الديوان بلغ عقداً من الزمان، والحق يقال قد وجدت نفسي أمام رجل مرتب الأفكار مدرك «لخطورة مرحلة الفقر» التي تعيشها البلاد، غير أنه يمتلك قابلية كبيرة لتقبل الأفكار والأطروحات التي تعين ديوانه لعبور أخطر مرحلة اقتصادية، فالرجل يوسف الذي قدم من منصة وزارة مالية الخرطوم، هو في المقام الأول رجل حسابات كبير، لكنه أيضاً يعتبر من «أبناء المشروع» الخلصاء الذين يدركون أن إقامة دولة العدل والكفاية والأخلاق تنهض على قيم التكافل والتراحم وسد كل ثغرات الفقر والعوز والمسغبة. من طرائف هذا اللقاء، قد ذكر السيد الأمين العام أن إحصائية ميدانية ديوانية قد رقمت عدد الفقراء بالبلاد بأكثر من مليون أسرة، فذكرت للحضور، والحديث لمؤسسة الملاذات، مفارقة سؤال طرح ذات يوم على الأمير الملياردير السعودي الوليد بن طلال، سئل كم تبلغ ثروتك، فقال.. لحظة السؤال أم الآن وذلك على افتراض أن أرصدته تتحرك كل دقيقة، على أن الفقر في السودان في ظل تعقيدات انفصال نفط الجنوب، والأزمة المالية العالمية وتخلف الخريف هذا العام، هي الأخرى تتحرك في كل لحظة، فربما في كل يوم تهاجر أسر بأكملها إلى أحزمة الفقر وهذا ما يعقد ويصعب من مهمة ديوان الزكاة، غير أن نهضة الديوان تكمن في محورين اثنين، أولهما نشر ثقافة فريضة الزكاة لمضاعفة التحصيل وتطهير الأموال، ثم إدارة هذه الأموال وتوظيفها في صناعة مشروعات إنتاجية، فأحسن شيء يمكن أن تقدمه للفقير هو أن تعلمه كيف يصطاد السمك بنفسه حتى لا يعود إليك ثانية. يجدر بنا هنا أن نشيد «بإدارة العلاج الموحد» التي تمكنت من تشييد جسر متين وسالك بين الديوان ومجالس الصحافة، هذه العلاقة التي وظفت باستمرار لصالح مشروع الفقراء ومشروعيتهم في تلقي الدعم والمساندة من المجتمع والدولة.. والله يهدي السبيل.