العبارات المجلجلة التي أطلقها السيد الرئيس في أعياد الحصاد منذ أيام من «منصة الذرة» القضارف «سلة غذاء السودان»؛ كانت تلك العبارات بمثابة حصاد آخر «لشراكة استثمار فكري وسياسي» مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، شراكة لم تحقق الأرباح المرجوة، لذلك كانت تلك العبارات بمثابة تصفية لتلك المرابحة الخاسرة، فلما يصرّح القائد بأن «اللغة العربية هي اللغة الرسمية»، وأن «الإسلام هو المصدر الرئيس للتشريع»؛ فهذا يعني التخلص من أعباء أسهم الحركة الشعبية الباهظة، التخلص من أسهم وسهام الأديان الكريمة والأعراف، ثم سيادة اللغة العربية دون غيرها من اللغات الكريمة واللهجات. وكما لو أننا «نحرر لغتنا» من قبضة حركة التحرير، ونستخلص ديننا «ونزداد كيل بعير». وددت لو أن السيد الرئيس ذهب أكثر في تبيان تلك المرتكزات؛ كأن يعلن من «عاصمة الفيتريتة» بأن الفيتريتة هي لغة الطعام الرسمية للدولة في البلاد، وهذا بيت قصيد المرحلة؛ فقراءة تقرير الانفصال بمعزل عن المشاعر العاطفية؛ يعني تعويض الفاقد الاقتصادي، بحيث تذهب الدولة في معالجة التدابير الاقتصادية قبل وضع التحوطات الأمنية و... و... { أُسوِّق وأُروِّج لهذه الرؤى والاتجاهات بين يدي عدة مسوغات واعتبارات. فبعض الأحزاب، وفي سبيل استعادة ملكها ودخولها مسرح الأحداث من جديد؛ لا تستنكف من ممارسة الضرب تحت الحزام، ولنا تجارب سوداء؛ خاصةً أن واحدة من أشهر الأجندة التي تُدخل قوى المعارضة «سوق الأحداث» هي الترويج والتعويل على العامل الاقتصادي. بمعنى آخر، إن لم تتحقق أطروحاتك أرباحاً في أسواق الجماهير، وأن خطابك السياسي يعاني حالة كساد، وأن لا مشتري ولا زبائن لمشروعك السياسي لدرجة التضخم؛ ففي هذه الحالة تذهب في عمليات «غسيل سياسي»، استخدام الأموال القذرة لشراء أقوات الشعب الأساسية لإحداث ظاهرتين: ندرة المواد وغلاء الأسعار، ثم تذهب لتعقد ندوات مكثفة بأن الحكومة فشلت في مشروعها الاقتصادي وعلى الجماهير أن تخرج للشارع للإطاحة بالحكومة! يُقرأ ذلك مع بعض المعطيات، فهنالك أصلاً حالة تدهور مالية واقتصادية تضرب كل الأنحاء، فضلاً عن فاقد الإيرادات الذي تخلفه حالة الانفصال حالة حدوثها، ثم حالة الهلع التي ضربت الأسواق وجعلت سعر صرف الدولار في ارتفاع مستمر مقابل الجنيه السوداني. { عزيزتي الحكومة.. ليس هنالك مسوغ واحد يجعل هذا الشعب العظيم يخرج عن طوره؛ إلا في حالة الجوع. إذا ذهب الشعب يوماً الى الأفران؛ فلابد أن تستجيب المخابز. الشرعية الوحيدة التي أعرفها وأؤمن بها هي «شرعية الخبز». فالسيد الصادق المهدي لم تخذله شرعية الجماهير يوماً، وكان في كل مرات حكمه يمتلك الأغلبية الجماهيرية والنيابية، لكنه لم يملك «خبزاً يوازيها» ويواري سوءات جوعنا. فزراعة الديمقراطية بمعزل عن زراعة الخبز أثبتت عدم جدواها؛ فإذا نفد الدقيق من الأفران؛ اعلم أن رصيدك الديمقراطي لن يسعفك، والقصة كلها قصة رغيف وشعب مظلوم ضعيف. { تغيير النظم والاستوزار والحكم؛ هي تطلعات بعض النخب، لكن تطلعات الشعب تتمحور حول توفير الحياة الكريمة: الخبز والتعليم والاستشفاء والعدل و... و... { أقولها ثانية وثالثة ورابعة: إذا الخبز موجود في الأفران ومتيسر الأسعار، والغاز والزيت والفيتريتة؛ فالجماهير موجودة في مساكنها وبيوتها برغم كل الادعاءات الأخرى. { لقد استمدت الإنقاذ استمراريتها ب«شرعية الخبز» والتحرر من قيد المستعمر وأطروحاته، وبإمكانها أن تستمر ب«شرعية الخبز وشريعة السماء». أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.