{ وأنا منهمكة بكلياتي في تصفُّح أرشيف الأهرام اليوم «الأنيق» في مكتب الأستاذ مهدي، وأقول الأنيق لأنني كنت أظن أن مهمتي ستكون عسيرة في البحث عن ضالتي لأعداد ماضية للأهرام اليوم، إذ أن كلمة الأرشيف مرتبطة في ذاكرتي بأكوام من الورق الذي يميل لونه للاصفرار وجسده للاهتراء، لكن التنسيق والتنظيم وابتسامة وأريحية أستاذ مهدي جعلت مهمتي بسيطة للغاية. المهم وأنا منهمكة دخل من يسأل عن صاحب المكتب، ولمّا لم يجده جلس في الكرسي المقابل لي ثم سألني: أنتِ أم وضاح؟ فرفعت نظري أعلى النظارة الطبية التي أستعملها فقط للقراءة، وما سوى ذلك بشوف القدر النملة، «عيني باردة»، وقلت له نعم أنا أم وضاح، فقال: أم وضاح ذاتها؟ فقلت له: نعم، أم وضاح ذاتها، فابتسم وقال لي: بتفتِّشي في الأرشيف مالك ما عندك التكتبيه قلتي أفتش في الارشيف؟ ولأن الرجل الذي عرفت اسمه «الحاج عبد الرحمن» - وهو من أبناء مدينة الأبيض الجميلة - قال تعليقه بابتسامة، لم آخذ الأمر بحساسية خاصة، وأنا ما عندي أي حساسية تجاه الحساسية، وقلت له: يا شيخنا مستحيل الواحد يكون ما عنده موضوع في بلدنا دي، لأنه لو اتلفتَّ جاي وللاَّ جاي حتلقى ألف حكاية وقدرها من الروايات، وأضعافها من المشاكل التي تحفز أي شخص لأن يكتب مش عمود.. ده ممكن يكتب عرضحالات تبكّي صاحب العريضة، ليكون حاله كحال الشاكي الذي جاء لكاتب العرائض وحكى له قضيّته ليرفعها إلى القاضي، وبعد أن انتهى من كتابتها وقرأها عليه بكى صاحبنا بكاءً حاراً وقال: أنا ما كنت قايل نفسي مظلوم قدر ده..! فيكفي يا سيدي أن تصحو من الصباح لتكتب قائمة بفروضك اليومية، من التي تطيقها والتي لا تطيقها، وهذه تصلح لأن تكون عموداً كارباً، ويكفي أن أكتب صباح مساء عن السودان الذي هو في طريقه للانقسام والانفصال، وما عارفه كيف حيهون علينا ألاَّ نكتب هذا بلد المليون ميل مربع، ويكفيني وغيري رهق البحث عن مادة للزاوية أن نكتب عن الجرائم التي لا تشبه مجتمعنا، مما يؤكد أن شرخاً وتصدعاً قد أصاب جدار الشخصية السودانية، الذي كان يحميها ويعزلها عن اللامعقول واللا مقبول، ويكفي أن أكتب وأبث تخوفي على الواقع السياسي في الشمال والأحزاب المعارضة ترفع شعار إسقاط الحكومة، ومؤكد أن الإنقاذ لم تفقد مخالبها أو تكسر أظافرها، مما يعني أننا لا قدَّر الله ربما ندخل في شجار واصطراع شمالي شمالي، قد يُقعد بنا لسنوات قادمات، ويكفيني يا ابن عروس الرمال أن أكتب لأسابيع قادمة كيف أن بعض ممّن دخلن الغناء سيسهمن في تسميم الذوق وتشويه الدواخل، لكنهن رغم ذلك يجدن الدعم والمساندة فقط من باب المجاملة والشخصنة، فتملأ صورهن الصحف، ولو أن الفنان يظهر بمنتجه وأعماله لما وجدنَ مكاناً حتى في الصحف الحائطية! فهل بعد هذا ستسألني يا أخي إن كنت أبحث عن ما سأكتبه في الأرشيف؟ ده الأرشيف طلع أغنية ولحن ملائكي مقارنة بما قد نضطر إلى أن نكتبه في الأيام القادمات!! { كلمة عزيزة ما بين برنامجيْن، كلاهما يحمل اسماً له علاقة بالنجوم والأقمار، تظل المسافة بينهما كالمسافة ما بين السماء والأرض، في المحتوى والمادة وطريقة التقديم، الأول هو برنامج منازل النجوم، الذي استمعت إلى حلقة منه، رائعة ومرتبة وقيمة الفكرة، مع الأستاذ الصحفي محي الدين تيتاوي، الذي حكى وقصّ نشأته الأولى، فكان سلساً وبارعاً في الأداء بدرجة تجعلك في حالة ارتباط ذهني بما يقول، ولكأنّك عشت معه الحدث منذ طفولته، أما البرنامج الآخر، وهو ضوء القمر، فأعتقد أنه يبث على إذاعة الرابعة، حيث أنه يمثل قمة التدني في ما يتعلق باتصالات المتصلين وتعليقات المذيعتين اللتين تحدثانا مرة بلهجة لبنانية ومرة بلهجة سورية، والله يستر من «الرندوك». { كلمة أعز أعتقد أن النيل الأزرق، بما وصلت إليه من نجاح، لم تعد محتاجة إلى بعض المذيعات اللاتي فرضتهن فقط دواعي الميلاد الأولى، وأكدت الأيام أنهن لم يغادرنَ السنة التي بدأن فيها!!