لم تتبق سوى أيام قلائل على إجراء استفتاء جنوب السودان المصيري.. خطوة سبقتها قوى المعارضة الشمالية عندما خطت طريقها بهدف إسقاط النظام عقب إعلان الانفصال، الأمر الذي دعا اللجنة التحضيرية إلى إعلان الأربعاء المنصرم أول أيام المؤتمر المزمع عقده بدار حزب الأمة بأم درمان.. لتفاجأ الأوساط المراقبة صبيحة ذات اليوم بتأجيل المعارضة لمؤتمرها الجامع مع تضارب وتقاطع الأسباب، فقد أكد المعارضون أن مستجدات قد تطرأ عقب الاستفتاء هي السبب بينما قال مراقبون إن المعارضة الآن تعيش حالة من الارتباك والفوضى. أعلنت قوى المعارضة الشمالية أو ما يسمى بتحالف جوبا فجأة وقبل يوم واحد فقط من قيام مؤتمرها الذي قالت إنها تهدف من قيامه إلى إسقاط النظام سلمياً، أعلنت تراجعها عن انعقاده، في خطوة وصفها مراقبون بالمفاجئة. وفيما وصف مراقبون موقف المعارضة بالمرتبك أرجعته مصادر إلى وجود خلافات بين الأحزاب المعارضة حول مخرجات المؤتمر نفسه وحول الأجندة التي تناقش على طاولته. وفي لهجة جديدة قال صديق يوسف القيادي بالحزب الشيوعي السوداني إن تحالف المعارضة - ولم يقل هذه المرة تحالف جوبا - قال إنه اضطر إلى تأجيل مؤتمره المزمع عقده أمس بسبب مستجدات قد تحدث على الساحة السياسية عقب الاستفتاء، وأكد ل (الأهرام اليوم) أن التأجيل تم بموافقة الأحزاب المعارضة داخل التحالف، مشيراً الى أن ورقة الاستفتاء حول تقرير المصير المزمع مناقشتها ضمن أوراق المؤتمر تتحدث عن خياري الوحدة والانفصال، ملوحاً إلى أن الوقت حالياً أصبح غير مجد لطرح تلك الخيارات حسبما ذكر، وقال إنهم بصدد ترقب ما ستسفر عنه نتائج الاستفتاء الأسبوع القادم وما سيطرأ من جديد على الساحة السياسية.. للبناء عليه من داخل المؤتمر الذي قال إنه سيتحدد لاحقاً. ونفى صديق يوسف أن تكون خلافات بين أحزاب التحالف وراء تأجيل مؤتمرهم وقال إن بعضهم يريد مهاجمة المعارضة ونحن لا نعبأ بذلك، وقال إن الذين يصفون المعارضة بالارتباك أو التخبط يعبرون عن رأيهم وهم أحرار في ذلك. ويرى بروفيسور حسن الساعوري أن اختلاف الأجندة وراء تأجيل المعارضة لمؤتمرها الذي كان أهم أهدافه إسقاط النظام. ورجح أن تكون خطوة إعلان حزب الأمة انسحابه عن هدف إسقاط النظام هي السبب الأقوى وراء تأجيل مؤتمر المعارضة، لذلك ربما أبدت بقية الأحزاب اختلافا في الأهداف المطروحة. هنالك الآن مجموعة داخل التحالف تريد إسقاط النظام في مقدمتها الحزب الشيوعي.. وأشار إلى أن حديث السيد الصادق المهدي الأخير حول عدم جدوى إسقاط النظام قد تكون مراجعة لطرحه خاصة وأنه طرح خيارات ثلاثة تبقى منها خياران هما تشكيل حكومة قومية أو اعتزاله السياسة، حسبما ذكر. وقال الساعوري إن المعارضة كانت تهدف إلى تحريك الشارع ضد الحكومة وتعبئته بغرض إسقاطها. وأضاف أن المؤتمر الوطني هو الذي تسبب في فصل الجنوب وتناسى تحالف المعارضة وقوفه الدائم مع الحركة الشعبية ووضع يده فوق يدها منذ العام 1986 وملَّكها أسرار الجيش. ونعت المعارضة هنا بأنها تسعى الآن لإسقاط النظام بسبب شعورها الآن بعقدة الذنب وبالمسؤولية. ويرى الساعوري أن سببا ثانيا مهما ربما يكون قد دفع بالمعارضة إلى تأجيل مؤتمرها وهو إعلان سلفاكير طرده لحركات دارفور المسلحة من الجنوب. وتبقى سبب ثالث صنفه الساعوري ضمن أسباب تأجيل التحالف المعارض لمؤتمره وهو إحساسها بصعوبة تحريك الشارع في ظل شعورها بقوة القبضة الأمنية، لكنه رجح في نهاية حديثه انسحاب الصادق المهدي من هدف إسقاط النظام. اجتماع لجنة تسيير المؤتمر الذي عقد بدار الحزب الشيوعي بالخرطوم شهد تأجيل المؤتمر وأبقى على الندوة السياسية التي كانت يفترض أن تصاحب فعاليات المؤتمر بمشاركة الأحزاب المعارضة وصفها المراقبون هي الأخرى بالمتنفس الذي تبث خلاله قوى المعارضة كوامنها بعدما تراجعت عن عقد مؤتمرها الجامع، بينما يراها آخرون قياسا لنبض الحكومة وكيفية تعاملها مع خطوات مشابهة قد تصدر من المعارضة في إطار محاولات لتعبئة الشارع.. مما يطرح تساؤلات عدة هل تنجح المعارضة بالفعل في تنظيم صفوفها وتحديد أهدافها في إطار المصلحة القومية والوطنية أم تسلم بالارتباك وسط صفوفها؟ أسئلة قد تجيب عليها مقبلات الأيام القليلة القادمة.