تشهد الانتخابات السودانية خلافاً شديداً فيما بين الأحزاب والحركات السياسية، ويدور الخلاف حول موعد انعقاد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وما يثير الانتباه هو ما يتمثل فى إثارة المطالبة بتأجيل الانتخابات قبل أيام من انعقادها وبعد تقدم الأحزاب بمرشحين منذ فبراير الماضى وحدوث تقدم فى مفاوضات الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة. وقد أثيرت الدعوة لتأجيل الانتخابات فى تقرير مراقبى الانتخابات التابعين لمركز كارتر لأبحاث السلام، واستند التقرير إلى عدم ملائمة الظروف السياسية لانعقاد انتخابات حرة ونزيهة، وأشار إلى التوتر السياسى فى كثير من مناطق الغرب والجنوب، وفى سياق الإعلان عن تقرير مركز كارتر صرح المبعوث الأمريكى بأن الانتخابات قد تؤدى إلى انفصال سلمى لجنوب السودان، وبهذا المعنى يتقارب الموقف الرسمى مع ما ذهب إليه تقرير مراقبى الانتخابات ، لكنه لم يظل موقفاً نهائياُ للولايات المتحدة، حيث بدأت فى حث الأطراف على المشاركة فى الانتخابات. وفى تطور مثير، تلقف "تحالف جوبا" فكرة تأجيل الانتخابات، وعقد اجتماعاً فى جوبا لمناقضة تأجيل الانتخابات، وحضره 22 حزباً سياسياً مشاركاً فى الانتخابات ومنهم الاتحادى الديمقراطى، ولم يتوصل الاجتماع لموقف موحد وإنما تركت الخيارات لكل حزب ليقرر موقفه من الانتخابات، وقد انعقد الاجتماع فى مناخ يسمح فقط بالاختيار ما بين تأجيل الانتخابات أو مقاطعتها. ويبدو أن غالبية الأحزاب ركزت البديلين فى اجتماع جوبا كوسيلة للضغط على الحكومة، لأجل تنفيذ توصيات تقرير المراقبين الأجانب ومراجعة تسجيل الناخبين، غير أن التطورات اللاحقة وضعت غالبية أعضاء تحالف جوبا أمام خيارات صعبة، حيث تغيرت المواقف الداخلية والدولية وبشكل لا يساند الدعوة لتأجيل الانتخابات. فقد جاء إعلان الحركة الشعبية بالاستمرار فى الانتخابات التشريعية ( باستثناء دارفور ) والانسحاب من الانتخابات الرئاسية وإتخاذ المؤتمر الشعبى موقفاً قريباً من موقف الحركة الشعبية، ليكون أحد المشكلات التي تواجه التحول السياسي في السودان ويشكل التحدى الرئيسى للأحزاب الشمالية ، حيث أن استمرار الحركة والمؤتمر الشعبى فى المشاركة فى الانتخابات يعد بمثابة إضعاف لخيار المقاطعة وتلاشى تأثيره السياسي، كما هو في ذات الوقت يعيد إنتاج وتطوير الأزمة السياسية. وبإصرار الحكومة السودانية على إجراء الانتخابات وبالإضافة إلي تأييد الولاياتالمتحدة وفرنسا، واجهت الأحزاب الشمالية تحدياً آخر لا يقل أهمية عن تحدى انفراط عقد تحالف جوبا أمام الخيارات السياسية ذات التأثير فى مستقبل السودان، كما ان تعرض الأحزاب لانقسامات داخلية يشكل قيداً على اتخاذ مواقف حادة وغير تفاوضية. وإزاء حالة الإرتباك عدم الوضوح، لم تجد الأحزاب السودانية ( الأمة، الاتحادى، الشيوعى) من خيار سوى التهديد بالإعلان الجماعى عن مقاطعة الانتخابات حتى لا تضفى الشرعية على نظام الحكم، ولكنها تراجعت وأصبحت تتحدث عن تحسين شروط الانتخابات ، وهذا التغيير يرتبط بتأثير وضغوط الولاياتالمتحدة والانقسامات الداخلية، فكل من هذه الأحزاب تعرض لانشقاقات شديدة خلال السنوات الماضية، بحيث أصبح جسدها التقليدي والتي يطلق عليها أحزاب الأصل يواجه منافسة شديدة من المنشقين عليه، وربما هذا ما يفسر محدودية تأثير الدهوة لمقاطعة الانتخابات واستمرار زخم الدعاية الانتخابية. وقد ظهرت تناقضات الأحزاب الشمالية أكثر من مرة خلال الفترة من يوليو 2009 وحتى الآن، حيث انتقدت تأجيل الحكومة للانتخابات التى كانت مقررة فى يوليو 2009، واعتبرت أن المؤسسات الرسمية فاقدة للمشروعية وطالبت بتشكيل حكومة من كل الأحزاب تكون بديلة عن الحكومة القائمة، ومع اقتراب الانتخابات حدث انقلاب فى موقفها وطالبت بتأجيل الانتخابات حتى نوفمبر 2010 بدعوى وجود مشكلات تحد من نزاهة الانتخابات. ومن الواضح أن إعلان بعض الأحزاب مقاطعة الانتخابات تأثر بتقرير المراقبين الأجانب وبأجواء المناقشات فى جوبا ، دون التيقن من الدوافع السياسية لإثارة المراقبين والحركة الشعبية لفكرة التأجيل أو المقاطعة وتراجع الحركة فيما بعد وتقليل سقف مشاركتها فى الانتخابات، ثم انسحابها من الانتخابات في الولايات الشمالية . فى هذا السياق، يكشف تاريخ العلاقة بين الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة عن أن الحركة احتفظت باستقلال قرارها بعيداً عن تحالف المعارضة رغم وجود تحالف قائم بينهم، ورغم ذلك ظلت أحزاب المعارضة تسعى لتنسيق المواقف السياسية مع الحركة سواء فى إطار التحالف الوطنى او تحالف جوبا، فيما تتزايد مساحات الخلاف فيما بينهم. وكشفت التطورات السياسية أثناء الفترة الانتقالية منذ يناير 2005 عن وجود خلافات بين الحركة الشعبية وبعض أعضاء تحالف المعارضة ، بسبب سعى الحركة إلى توسيع النطاق الجغرافى للإقليم الجنوبى، وأثارت مسألة أبيبى جدلاً واسعاً على المستوى السودانى، غير أن اعتبار أبيبى دائرة انتخابية يعنى أن نتائج الانتخابات سوف يكون لها بالغ الأثر فى تقرير مصير المنطقة ، وخاصة أنها تشكل منطقة تنافس بين حزب الأمة والمؤتمر الوطنى والحركة الشعبية. ومع انتشار مؤيدى الحركة الشعبية وحلفائها فى الأقاليم الشمالية، فإن اهتزاز مواقف أحزاب المعارضة من الانتخابات كان من المؤمل أن يعزز فرص الحركة فى الحصول على مقاعد خارج جنوب السودان، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات وهى مقاعد تخصم من رصيد الأحزاب الشمالية بشكل عام، قد يكون إضعاف المعارضة واحد من أهداف الحركة الشعبية للحصول على تمثيل سياسى خارج مناطق نفوذها التقليدية والفوز بمقعد أبيبى، وهو ما يساعدها على طرح نفسها رسمياً كحركة وطنية، ولكن انسحابها من من الولايات الشمالية واستمرارها في جنوب كردفان والنيل الأزرق، يلقي بظلال حول الترتيبات الانفصالية التي تعدها الحركة لجنوب السودان بالمفهوم الواسع الذي تراه الحركة الشعبية. وفى ضوء التطورات السياسية بما فيها انسحاب حزب الأمة واستمرار مشاركة الحزب الاتحادي، فإنه ليس من يرجح أن تساهم الانتخابات فى حدوث تغيرات سياسية واسعة، سوى ترسيخ الستقطاب الثنائى للسلطة (المؤتمر والحركة) ، فيما تتضاءل فرص أحزاب المعارضة فى الاستمرار كطرف مؤثر فى الخريطة السياسية للدولة. khiry omr [[email protected]]