فتحت عودة وفد الحكومة المفاوض في منبر الدوحة إلى الخرطوم، قبل الوصول إلى اتفاق مع الحركات؛ الباب واسعاً أمام التكهنات، لا سيما أن الحكومة سبق وأعلنت أن نهاية شهر ديسمبر 2010 ستشهد توقيع سلام دارفور، حيث أرجع بعض المراقبين عودة الوفد إلى نية الحكومة تطبيق إستراتيجيتها الجديدة التي تدعو إلى تحقيق السلام من الداخل، وربما تكون اقتنعت بعدم جدوى مواصلة التفاوض مع الحركات دون تحديد سقف زمني، لكنَّ آخرين اعتقدوا أن هذه العودة مرتبطة بمقترحات وثيقة التفاوض التي انحازت إلى فكرة الإقليم الواحد. (الأهرام اليوم) حملت هذه التكهنات والتقت برئيس وفد مفاوضات الدوحة؛ الدكتور أمين حسن عمر، في حوار تناول ملف دارفور والأوضاع السياسية في السودان حال انفصال الجنوب، وقضايا أخرى فماذا قال؟ { عودة وفد الحكومة إلى الخرطوم، وحديث حركة التحرير والعدالة عن رفضكم لمقترحات الوثيقة، جعل الناس يتحدثون عن وجود تعثّر في التفاوض، فما قولكم؟ - لا يوجد تعثُّر، بالعكس، نحن نعتقد أن المفاوضات مرت بصورة جيدة مع حركة التحرير والعدالة، وتوصلنا فيها إلى (90 %) من حلول القضايا، خاصة المتعلقة بالمشكلة الحقيقية في دارفور. { ماذا عن بقية القضايا العالقة؟ - الأمور العالقة القليلة الآن هي مشكلة واحدة متعلقة بالقضايا في دارفور، والأمور الأخرى المتعلقة باستيعاب الحركة نفسها، وهذه في تقديرنا ليست قضية جوهرية. { لكنها ضرورية لاستكمال الاتفاق، أليس كذلك؟ - صحيح، سنستوعب الحركة سياسياً وعسكرياً، ولكن هذه ليست قضية دارفور، ونحن نفرّق بين قضية حركة التحرير والعدالة وقضية دارفور، ونعتقد أن الأمور تمضي. { كيف تمضي والوفد المفاوض عاد إلى الخرطوم؟ - نحن في حالة تفاعل مستمر، وربما بطريقة أنشط مما كنا في الدوحة، لأننا نتلقى يومياً ردود أفعال، تأتينا وثيقة نُعلِّق عليها ثم ترجع ويُعلَّق عليها، وهكذا. { هل حركة العدل والمساواة ضمن هذا التفاعل؟ - أبداً، التفاعل ليس بيننا وحركة العدل والمساواة، هو بيننا وحركة التحرير والعدالة. { إذن ما موقف حركة العدل والمساواة؟ - لا جديد في موقفها، حتى هذه اللحظة لم تعلن أنها عادت إلى مفاوضات الدوحة. { حسناً.. ماذا كان يفعل وفدها في الدوحة؟ - لم تعلن أنها عادت أصلاً، جاءت وكأنها تريد استكشاف الوضع، وقالت هذا صراحة، إنها جاءت لاستكشاف الوضع والتشاور مع الوساطة حول شروط عودتها إلى المنبر. { لكنكم جلستم مع وفدها؟ - صحيح، بطلب من الوساطة؛ ثلاثة عسكريين من وفدنا جلسوا معهم ليستمعوا لآرائهم حول مسألة وقف إطلاق النار. { ثم...؟!! - آراؤهم لم تكن مقبولة لدينا، لأن الحركة لا تزال تشترط شروطاً قبل الدخول في العملية السلمية، ونحن قلنا إننا لن نقبل شروطاً قبل الدخول في العملية السلمية، ولن نقبلها ثمناً لمجرد الدخول فيها. { قيل إنكم رفضتم المقترحات التي وردت في وثيقة الوساطة. - هذا ليس صحيحاً.. بالنسبة لاقتراحات الوساطة قبلنا بعضها، واستفسرنا حول بعضها، لأن الفكرة لم تكن واضحة، وتحفظنا على البعض الآخر. { ما هي النقاط التي تحفظتم عليها؟ - لا أستطيع الخوض في تفاصيل التفاوض، لكن قلنا إن بعض المقترحات خارج إطار التفاوض ولن نقبلها، وضربت مثالاً بحالة واحدة هي أنهم تحدثوا عن تناوب على مقاعد بعض النواب (نصف النواب في المجلس الوطني) وقلنا إن هذا غير مقبول. { لماذا؟ - لأن هذا اعتداء على حق الناس الذين انتخبوا هؤلاء الأشخاص، أنت لا يمكن أن تفرض على دائرة من يمثلها بالتعيين. { ألا يمكن تعديل الدستور في هذه الحالة؟ - حتى إذا عدلنا الدستور، هل هذا يتسق مع الأسس الديمقراطية؟ هذا مناقض لها، وفي الاتفاق الإطاري قلنا إننا نحتكم للأسس الديمقراطية، وهذا خارج الأسس الديمقراطية، وذهبنا أبعد من هذا حين قلنا إن مجرد الاقتراح فيه عدم احترام لمؤسساتنا الدستورية، لذلك هذا الاقتراح مرفوض من حيث المبدأ، ثم ما المشكلة في تمثيل دارفور في المجلس الوطني؟ دارفور ممثلة ب (96) دائرة، وجميع نوابها منتخبون، فما الذي يقتضي مثل هذا الاقتراح، سوى أنه محاولة لإرضاء الحركات؟ فهل إرضاء الحركات جزء من حل مشكلة دارفور؟ إرضاؤها سيغضب آخرين ربما كان غضبهم أكثر تأثيراً من غضب الحركات، وبعض هذه الأفكار صراحة رفضت من حيث المبدأ. { بحسب ما نشر في الصحف، قلتم إنكم رفضتموها لأنها غير مضمنة في الدستور. - هي غير مضمنة في الاتفاق الإطاري نفسه، وأنا مرجعيتي الاتفاق الإطاري وليس الدستور، وسبق وأوضحنا للحركات أنها يمكن أن تستوعب في المناصب التنفيذية، ويتم تعيين وزير أو وزير دولة، والوالي يمكن إقناعه بتعيين شخص، والرئيس يمكن أن يُقنع أو يبادر بتعيين شخص، لكن لا يمكن أن نقبل أن يأتي والٍ بغير الانتخاب، أو أي شخص لديه سلطة يجب أن تكون بالانتخاب، وبغير الانتخاب هذا غير موجود في الدستور، الآن ليس هناك شخص في منصب تمثيلي يختاره الناس بغير الانتخاب. { قيل إنكم عدتم إلى الخرطوم لأن الوساطة اقتربت من الانحياز لفكرة الإقليم، فما ردكم؟ - ليس صحيحاً.. الوساطة لم تقدم أي اقتراح أو أفكار إلا يوم 30 ديسمبر 2010، قبل هذا التاريخ لم تقدم لنا مقترحاً. { لماذا عدتم إذن قبل حسم المشكلة؟ - الدكتور غازي عندما جاء إلى الدوحة قال إننا مغادرون، وعقدنا مؤتمراً صحفياً في يوم 30 نفسه الساعة التاسعة مساء، أكدنا فيه أننا لم نتسلَّم هذه الأفكار، وربما نتسلمها خلال ساعات، كذلك قلت في يوم 19 ديسمبر، قبل تصريح الرئيس، إننا بعد يوم 31 لن نكون متوفرين في الدوحة للتفاوض. { يبدو أن هذا التاريخ حددته الحكومة. - أبداً، هذا التاريخ حددته كل الأطراف سواء الأممالمتحدة في نيويورك أو في الاجتماع التشاوري في أديس أبابا، والوساطة نفسها تحدثت عن يوم 31 ديسمبر كآخر يوم للتفاوض، وحركة التحرير والعدالة تحدثت على لسان الدكتور التيجاني السيسي عن أن آخر ميعاد للتفاوض هو يوم 31 ديسمبر. { المعروف أن الرئيس البشير أعلن أن الوفد سيعود بنهاية يوم 31 ديسمبر إلى الخرطوم إذا لم يتم التوصل لاتفاق. - أعلن هذا لأننا متفقون على ذلك، والدكتور غازي حضر إلى الدوحة وقابل رئيس الوزراء القطري وأبلغناه. هذا ليس موقفاً جديداً أو مفاجئاً لأحد. { لكن هذا الموقف فُهم على أنه انسحاب من منبر الدوحة. - هذا ليس موقفاً من منبر الدوحة، أو احتجاجاً على الوساطة، وإنما هو موقف موضوعي وعملي لأنه لم يبق شيء يُعمل. { دكتور، ألم تكن الوساطة منحازة لفكرة الإقليم الواحد؟ - لا أعتقد أن موضوع الإقليم الواحد من القضايا الملتبسة التي طلبنا فيها توضيحاً، لأن الاقتراحات لم تتحدث عن الإقليم، وتحدثت عن السلطة، وفي إطار السلطة مرّة تتحدث عن السلطة ومرة تتحدث عن الحكومة ومرة عن الوزراء، الموقف ملتبس، لذلك طلبنا توضيح المقصود بالضبط، هل تقصدون سلطة أم حكومة؟ لأن هناك فرقاً، وهذا حق طبيعي، حتى الوساطة نفسها قالت ربما هناك أخطاء مطبعية، وإذا ثبت ذلك ستُراجع. { هل تسلمتم رداً حتى الآن؟ - لم نتسلم رداً حتى هذه اللحظة من الوساطة، وإنما أرسلت إلينا فقط ردود حركة التحرير والعدالة التي قدمتها كتعليقات على مقترحات الوساطة، لكن لم تقدم لنا رداً على استفساراتنا وتحفظاتنا حتى هذه اللحظة. { مامدى استعدادكم للموافقة على الإقليم الواحد؟ - لن نوافق على الإقليم الواحد، ليس لأننا متخوفون من شيء، لكن لأنها قضية خلافية في دارفور، وستؤدي إلى نزاع جديد، ربما يكون أخطر من النزاع الحالي، لذلك كان اقتراحنا في هذا الشأن ديمقراطياً وعملياً حينما قلنا فلنذهب إلى الاستفتاء وإذا أراد أهل دارفور الإقليم فليكن. { ألا تعتقد أن التفاوض من الداخل سيعقِّد مشكلة دارفور أكثر مما هي معقدة؟ - من الذي قال إننا نريد التفاوض من الداخل فقط؟ نحن سنعمل للسلام من الداخل والخارج معاً، لم نقل إننا سنتوقف عن التعامل مع الحركات الحاملة للسلاح، ونعكف على المكونات المتعلقة بالمشكلة في الداخل. { كيف يتم التفاوض في الخارج والوفد في الخرطوم؟ - كيف تجري مفاوضات الشرق الأوسط التي يقودها ميتشيل؟ اخبريني! هل تعتقدين أن معظم المفاوضات هي حلقات نقاش أو مناظرة في التلفزيون؟! نحن طريقتنا عقيمة في تقديري، وكان يمكن أن نتوصل إلى حلول في أسبوع، لكن اخترنا طريقة أركان النقاش، نقاش وحوار وتكرار، ربما هذا الأمر من ناحية نفسية مفيد ويقرِّب الشقة بين الأطراف ويخفف من غلوائها، وقد نجح في هذا. { أين تمثَّل هذا النجاح؟ - نحن بدأنا من حالة تنافر وانتهينا إلى حالة أقرب إلى الانسجام، إذا كانت هناك فائدة واحدة لهذا التفاوض الطويل فهي أنه خفف من الغلواء والشحناء بين الطرفين. { إذا توصلتم إلى اتفاق، هل ستعودون إلى الدوحة؟ - نحن لسنا مضربين عن الذهاب إلى الدوحة، إذا كان هناك شيء سيُبحث، وسنتخذ فيه قرارات، ولسنا معتصمين في الخرطوم، لكن لا معنى لأن نجلس دون عمل إذا لم يكن هناك تحرك من الوساطة أو الحركة أو الطرفين. { ما تقييمكم لموقف التفاوض حتى الآن؟ - بالنسبة لحركة التحرير والعدالة أعتقد أن هناك قدراً من التقدم، فقط الوقت الذي يستغرق أكثر من اللازم، والوساطة ينبغي أن تعمل بسرعة. { ما مصير اتفاقية أبوجا بعد انقسام حركة تحرير السودان إلى مجموعات؟ - صحيح هذه مشكلة، لكن اتفاقية أبوجا ليست شأناً يخص جيش حركة تحرير السودان، ولم تكن موجودة لأن هذه الجماعة موجودة في السلطة، لكن أبوجا التزامات تجاه دارفور وأهلها، ونحن متمسكون بالالتزامات. { ماذا تقصد؟ - أقصد أن الاتفاق السياسي مع الحركة أمر آخر، فهم بعد الانتخابات لم يكن لهم حق بموجب الاتفاقية أن يكونوا في السلطة، إلا بالتفاهم السياسي، ونحن توصلنا معهم إلى اتفاق سياسي وقبلنا أن يكونوا في السلطة بشرط أن يلتزموا بالترتيبات الأمنية، لأن هذا هو الاستحقاق الوحيد المترتب عليهم ولم ينفذوه. { الآن هناك وضع جديد في حركة تحرير السودان، أليس كذلك؟ - صحيح، الوضع الآن غير مريح، لأنهم أصبحوا ثلاث مجموعات، منها مجموعتان مواليتان للعملية السلمية، لكن هذا سيجعل التعامل مع الحركة فيه قدر من التعقيد، فبدلاً عن التعامل مع طرف يتم التعامل مع طرفين، لذلك نحن نشجعهما على التوحد حتى تكون هناك حركة واحدة يسهل التعامل معها، وشجعناهما بأن أبوجا قائمة وإذا توحدتا فلن نعلق اتفاقاتنا السياسية بشخص، وإذا أعادت الحركة لحمتها وأصبحت قادرة على الفعل السياسي وتحقيق التزاماتها بموجب الاتفاقية؛ سنتعامل معها. { مع مَنْ مِنَ المجموعتين تتعامل الحكومة؟ - نتعامل مع المجموعتين لأن الاثنتين ملتزمتان بالعملية السلمية ونشجعهما على التوحد في حركة واحدة. { هل ما أطلقته حكومة الجنوب من حديث حول طرد حركات دارفور المسلحة كافٍ؟ - أولاً الوجود العلني كان فيه قدر من الاستفزاز، صحيح اختفى الوجود العلني لهذه الحركات، فهل اختفى الوجود الفعلي لها؟ { في رأيك، هل اختفى الوجود فعلاً؟ - لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي هذا الأمر، أما دعم الحركات حول الحدود فسيكون واضحاً إذا حدث، نحن نعلم أن حركة العدل والمساواة الآن كلها موجودة في منطقة خلف الحدود؛ منطقة (بورو)، هل هي موجودة باستضافة وترحيب؟ أم أن هذا أمر واقع ستتعامل معه حكومة الجنوب وحكومة المركز؟ هذا الأمر لا أستطيع أن أناقشه على صفحات الصحف، وإنما يناقشه مجلس الدفاع المشترك، وأعتقد أن هناك روحاً إيجابية في هذا المجلس، وهناك حرص على ألا تتسبب مثل هذه الأحداث في تعكير الجو وإشعال المناوشات بين الطرفين، أنا متفائل ولكن بالطبع لا أستطيع التحدث في أمور لم يقم الدليل والبرهان عليها. { ما الخيارات أمام الحكومة الآن بالنسبة للتفاوض؟ - سيظل الباب موارباً للحركات للدخول في العلمية السلمية، نحن لم نغلق الباب قط، وسنظل راغبين في أن تأتي إلى السلام، ونفضل الحل السياسي على الأمني إلا إذا جُردنا من أية إمكانية للحل السياسي، وبالطبع من واجب الأجهزة الأمنية أن تعمل على الأرض لمجابهة أي تحد أمني، لكن نفضل الحل السياسي، وما زلنا نخاطب إخواننا في العدل والمساواة، وندعو إلى كلمة سواء، هذا من مصلحة الجميع ومصلحة حركتهم في أن يكون لهم مستقبل سياسي، ومصلحة دارفور والسودان، حتى نلتفت إلى المشاكل الأخرى.