أخشى ما أخشى أن ما يحدث في تونس من تداعيات يؤدي إلى المزيد من هشاشة الدولة وأن لا يستقر الوضع هناك إلا بعد مرور سنة أو سنتين وأن دماء كثيرة تسيل وأن تونس تضعف ومن ثم نعيد تكرار المشهد العراقي من جديد والذي بدأ بالاحتلال وتواصل المسلسل. شعار اجتثاث حزب البعث هذا الذي تعيشه تونس الآن يذكرنا بالعام 1985م أي عندما قامت انتفاضة رجب أبريل ضد نظام حكم جعفر نميري، فنفس السيناريو الذي شهدته تونس شهدناه في الماضي ذلك عندما سرقت كل الأحزاب الانتفاضة وبدأت تبتز الفترة الانتقالية بل وتقول إنه حتى المجلس العكسري الانتقالي برئاسة سوار الذهب آنذاك فيه بعض المايويين ومن ثم تم وصفه بالكامل بأنه امتداد لمايو ومن هنا ضاع السودان وقتذاك وعلى عجلة فقدنا أجهزة قومية قوية عن طريق الخطأ (الشعاراتي) حيث قمنا بحلها ومن ضمن الشعارات آنذاك كان شعار (كنس آثار مايو) الذي أطلقه الصادق المهدي وندم عليه بعد ذلك لأن هذا الشعار قد أفقد الديمقراطية الثالثة الكثير من الكوادر الوطنية والتي إن كانت موجودة آنذاك لما هوت وانزوت الديمقراطية الثالثة وذهبت غير مبكيٍّ عليها. وبعودة إلى تونس نقول إن من المهم الآن أن نتجه طوعاً إلى بناء إستراتيجيات عربية للإصلاح، فالعالم العربي الآن يتفتت لأن الخطة الأمريكية والإسرائيلية تريد ذلك، فلابد إذن من الرؤية الإستراتيجية الواسعة هنا حتى نتجنب محاولات إضعاف الدول العربية الإسلامية، فنفس الذين وقفوا مع صدام حسين وجعفر نميري وزين العابدين بن علي هم الأمريكان ومن شابههم واليوم يقولون إنهم مع إرادة الشعوب. والآن مكمن تخوف الأمريكان والصهاينة والغربيين هو أن يشكل الإسلام السياسي البديل كحلقة من مراحل التغيير، لذا نرى أن لغتهم قائمة الآن على منطق الاستئصال والتخويف وهم ينظرون للقوى السياسية، على سبيل المثال التونسية، بحذر خوفاً من حزب النهضة الذي يقوده راشد الغنوشي فوصفته بعض الدوائر الغربية بأنه كأنه الخميني الذي عاد من باريس إلى إيران، فالغنوشي هو يمثل حزباً عادياً من جملة الأحزاب التونسية وهو أول المؤسسين لفكرة التعددية وسبق لي أن حاورت هذه الشخصية في أول زيارة له للسودان وعلى ما أذكر حينما جاء مشاركاً في أول حوار للأديان بداية التسعينيات، وللحقيقة والتاريخ أقول إنني لم ألمس من الرجل أي مواقف ضيقة أو تطرف أعمى في الأسئلة التي طرحتها والإجابات وقتذاك، وما يعزز ذاك الموقف هو ما نلحظه عليه الآن فهو ما زال السياسي المنضبط جداً حيال المشهد التونسي والأزمة التونسية وها هو الآن يطمئن كل العالم بأنه من أول المؤسسين لفكرة التعددية والديمقراطية والمساواة بين الرجال والنساء والعلاقات الطيبة بين تونس وجيرانها وبين العالم، وبالتالي فإن أعداء الحرية والديمقراطية والاستئصاليون هم الذين يقدمون راشد الغنوشي بأنه عائد إلى تونس ليقضي على الأخضر واليابس، عليه نتمنى أن لا يكون هناك استبعاد لأي طرف سياسي حتى تكون تونس لكل التونسيين. وحق لنا ان نتساءل.. من شعار كنس آثار مايو إلى اجتثاث حزب البعث في العراق إلى الإطاحة بالحزب الحاكم في تونس.. هل أمريكا وراء كل ذلك؟ نقول نعم طالما هدفها الفوضى الخلاقة التي تمكن من الانقضاض.