استقبلت الساحة السياسية خبر لقاء الرئيس البشير بالسيد الصادق المهدي أمس الأول ببيت الضيافة بردود فعل متباينة، حيث أبدى بعض السياسيين دهشتهم لهذه الخطوة، لا سيما أن حزب الإمام الصادق من الأحزاب التي أظهرت نشاطاً فاعلاً في التحالف المعارض مؤخراً، وصل مرحلة قال فيها رئيسه، عقب الأحداث الأخيرة التي وقعت بين الحكومة وأعضاء من حزب الأمة القومي: لن أكون حجَّازاً بعد هذا اليوم بين الأنصار والحزب الحاكم. وأردف ذلك بتصريحات حدد فيها خياراته القادمة التي ربطها باعتزال العمل السياسي أو الإطاحة بالحكومة، إذا لم يتم تكوين حكومة انتقالية عقب إعلان انفصال الجنوب تمهيداً لقيام حكومة قومية، وحدد يوم 26 /1 القادم آخر موعد. الحكومة من جهتها قابلت هذه التصريحات بلهجة تصعيدية أو كما قال د. نافع حينها: لن تكون هناك حكومة قومية وعلى السيد الصادق اللجوء إلى أحد الخيارين. البعض الآخر تساءل عن جدوى مثل هذه الخطوة على خلفية الاتفاقات التي عقدت في المراحل السابقة بين حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني، كان آخرها اتفاق التراضي الوطني الذي بدأ بالحوار حول أجندة الساحة السياسية الوطنية وانتهى بحديث للسيد الإمام، قال فيه إن صقور المؤتمر الوطني أجهضت التراضي، ونعى الاتفاق. وتساءلوا: ماذا أراد إذن حزب الأمة القومي من هذا الاتفاق؟ وماذا أرادت الحكومة؟ أما المراقبون فقد حاولوا تقديم قراءات موضوعية من خلال معطيات الساحة وواقع الأحداث، حيث قرأت مجموعة كبيرة منهم هذه الخطوة في سياق تذبذب مواقف حزب الأمة في الفترة الأخيرة التي يصعب على المتابع تمييزها. لهذا السبب لم يستغربوا اللقاء ووصفوه بالمتوقع، لا سيما أن وزير الإعلام كمال عبيد أكد قبل ذلك لقناة الجزيرة أن حزب الأمة القومي من ضمن الأحزاب التي يدور معها الحوار، كذلك ربطوا بين جدلية العلاقة بين هذا الحزب الذي يترأسه السيد الصادق وأجهزة الحكومة الأمنية التي يعمل بها أحد أبنائه أو كما رأوا، وهؤلاء ربطوا كذلك بين الحوار الذي اتفق عليه حزبا المؤتمر الوطني والأمة القومي كما ورد في الصحف أمس، وشكلت على إثره لجنة مشتركة من الحزبين لبحث مخرج قومي؛ وبين المستجدات والتحديات القادمة التي ستشهدها البلاد عقب إعلان استفتاء الجنوب، ولم يستبعدوا أن يتم استيعاب قيادة الحزب في الحكومة الجديدة القادمة على ضوء ما ذكرته الزميلة «الصحافة» أمس حول نية الرئيس عمر البشير حل حكومته فور إعلان نتيجة الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان الذي يتجه نحو الانفصال بغالبية كبيرة، لكن أحد المحللين نظر لهذا اللقاء وما سيتبعه من حوار الذي ستنفذ مخرجاته عبر آلية عقب الفراغ منه، في إطار استهداف الحكومة للأحزاب المعارضة ومحاولتها شق هذا الصف، وأكد أن قبل ذلك عندما أرادت الحكومة (فرتقة) التجمع في التسعينيات، بدأت بالسيد الصادق ومولانا الميرغني، والآن ربما أرادت تكرار ذات السيناريو حتى تقتنع بقية القوى السياسية بأنه لا جدوى من الحديث عن إسقاط الحكومة والنزول إلى الشارع طالما أن هناك أحزاباً تتمتع بشعبية مقدرة أبدت رغبتها في الحوار والاتفاق مع الحزب الحاكم، لكن ما قصة تزامن الأزمات السياسية مع اتفاقات هذين الحزبين أو كما قالوا؟ كذلك ربما أرادت الحكومة إرسال رسالة إلى مولانا الميرغني تؤكد فيها أنه تأخر عن ركبها لأنها تعلم حدة المنافسة بين الحزبين، وأخرى إلى السيد مبارك الفاضل مفادها أن عودته إلى ابن عمه لن تغير في طبيعته شيئاً لأن كل المؤشرات الآن تدل على بعده عن هذه الخطوة أو علمه بها، أيضاً قد يكون المؤتمر الوطني هدف من هذا اللقاء إلى تلطيف الجو مع حزب الأمة وإرضاء الصادق المهدي عقب الأحداث الأخيرة بين حزبه والحكومة، وبالمقابل لم يستبعد محدثي أن يكون هذا اللقاء بداية لابتدار مشاورات تشمل كل القوى السياسية أو مناورات تهدف إلى إزالة الاحتقان الموجود في الساحة، ومن جانبه عبر القيادي بحزب الأمة صلاح إبراهيم أحمد عن عدم دهشته لهذا الأمر، وقال ل (الأهرام اليوم) إن هذا اللقاء متوقع، خاصة أن الإمام الصادق حدد يوم 26/1/2011م لتنفيذ خياراته وربما أراد المؤتمر الوطني استباق هذا التاريخ، والشروع في التفاوض مع الأمة القومي وتفويت الفرصة على تحالف المعارضة، وقد تقود هذه اللقاءات إلى اتفاق مثلما يحدث دائماً، لكن ستهيئ فرصة للمؤتمر الوطني يكسب عبرها مزيداً من الوقت، أما رئيس حزب الأمة فقد يكون فكر في هذا الموضوع كمخرج بعد تحديده لخياراته ورد الحكومة القاطع بعدم الاستجابة لها، أو أنه خلال اجتماعه مع الأحزاب المعارضة للإطاحة بالحكومة وجد أن الطريق شاق وطويل، وهو لا ينوي الاستقالة وليس أمامه مخرج إلا الحوار مع الحكومة، وقال إن الصادق عبر تاريخه السياسي الطويل لم يحدث أن مضى في المعارضة إلى النهاية، ففي عهد الرئيس الراحل نميري صالح مايو، وفي التجمع صالح الإنقاذ، وأبدى شكوكه في أن تخصص الإنقاذ منصب رئيس الوزراء حال استحداثه للإمام لأنها تصر على الحكم الرئاسي ولا ترغب في تعدد الجهات التي تقوم بإصدار القرار السياسي، فيما قال د. إبراهيم الأمين الكاتب المعروف في تعليقه على الحدث إن القضية ليست قضية لقاءات ثنائية، وإنما قضية وطن تحتاج إلى رؤية واضحة تتم من خلال مناقشة قضاياه بشفافية، وهذا يتطلب وحدة هدف وليست وحدة صف، تبدأ بمشروع وطني يطرح لكل القوى السياسية وتنفذه حكومة برنامج تحكم بسقف زمني، على أن يتضمن هذا البرنامج، قضايا المواطن، وأشار إلى أن أي لقاء سيكون مفيداً لكن العبرة في تنفيذ النتائج، فإذا كان كسابقيه فلا فائدة منه، أما إذا كان بمثابة خطوة للدخول في التحضير للمرحلة الجديدة فلا بأس، لكن أي حديث عن عملية ثنائية أو تسويات غير مفيدة لا جدوى منه. وأخيراً هل اقتنع المؤتمر الوطني بضرورة طرح قضايا الوطن على طاولة الحوار وفي إطار مشاوراته لتشكيل حكومة موسعة ذات قاعدة عريضة كما قال؟ أم أنه اقتنع بأن الصادق المهدي يمثل صوت الاعتدال وابتعاده عن العمل السياسي ليس في مصلحته، كما قال الإمام الصادق في أحد حواراته؟ أم أن هناك اتفاقيات بين الحزبين تفعل أيام الأزمات يقدم عبرها حزب الأمة المساندة والمخرج للمؤتمر الوطني؟