{ المعروف أن (الضكر) هو التحريف الدارجي لكلمة «ذكر»، وهي صفة رجولية صرفة، من أبرز سماتها الشجاعة والإقدام وقوة الاحتمال والكرم، ولكن الحقيقة إن ما قامت به صديقتي «الأنثى» جداً قد فاق كل معاني الرجولة و(الضكْرّنة)، وتحدّت به كل المتداول حول ضعف الإناث وقلة حيلتهن ورقّة عواطفهن واستسلامهن المطلق لتصاريف أيامهن من بين ركام دموعهن. { لقد قامت صديقتي بما أعجز عنه أنا شخصياً وتعجز عنه غيري من بنات جلدتنا الموقرات المرهفات، خصوصاً في ما يتعلق بحياتهن الشخصية وعلاقتهن بأزواجهن التي يصبح من العسير فيها بمكان تحمُّل أبعاد الشراكة أو الخيانة أو(المُضاررة)، وكلها أوضاع من الصعوبة على معظم النساء بمكان، فهل تُراها كانت خارقة للعادة وحالة استثنائية شاذة وهي تزف زوجها العزيز إلى أخرى عريساً، أم أن هذا هو التصرُّف السليم والحكيم والمفروض؟! { وهل يحق لنا أن نتهمها ونحن نفغر أفواهنا من الدهشة بالجنون، أم نمدح عقلها الكبير وحكمتها اللامتناهية وثباتها؟ إن ما أتت به صديقتي يُعد حتى الآن بدعة في دنيا النساء، فحين أتاها زوجها يسعى مُعْلماً إيّاها برغبته الأكيدة في الزواج بأخرى تختلف عنها من حيث المظهر والمخبر تماماً وتفوقها هي جمالاً وحنكة وخبرة في الحياة، شعرت حينها والحديث لها بغُصة نائحة تعترض حلقها، وتهاوت كل قناعاتها الجميلة والنبيلة بالحياة، ورأت أنها قد أهدرت عمرها وكرامتها ومشاعرها مع رجل لا يستحق، وانهمرت دموعها المالحة أياماً وليالي وهي تُكابد فجيعتها في زوجها الذي اصطفته ومنحته خالص الحب والإحترام والاهتمام، ليأتي على حين غرّة ليُباغتها بهذه الطعنة النجلاء في أقسى ما يمكن لامرأة أن تُعاني منه وهو الإحساس بالدونية والنقص، وكأنه يقول لها: «عفواً أنتِ لا تكفين»، فأي عذاب أبلغ من هذا؟! { عموماً.. تحدثت صديقتي عن أنها أنفقت مخزونها من الدمع والحنق والأسف، وصبّت عليه اللعنات سراً وعلانية، واستعرضت شريط حياتها معه فوجدت نفسها في كل المشاهد مظلومة، واسترجعت كل اللحظات المؤلمة والسيئة، وكل الذكريات غير الجميلة وقررت بينها وبين نفسها ألا حياة لها معه بعد الآن، ثم تراجعت. { ولا تستطيع هي نفسها أن تصف لنا الحالة التي اعترتها، ولا تجد المبرر الكافي لهذا التغيير من العداء إلى النقيض، ولكنها شعرت أن الله قد أنزل عليها السكينة واللامبالاة، وأن النيران المُستعرة بأعماقها قد تحوّلت برداً وسلاماً، وأن غيرتها الموجعة وألمها البالغ أصبحا بين ليلة وضحاها نسياً منسياً، فهل هي حالة مَرَضية، أم أنه تمام الشفاء من مرضها المزمن بحب هذا الرجل؟ { وهل يُعتبر كل ما طرأ عليها نوعاً من التضحية العظيمة بفعل الحب الكبير، أم أنه اقتناعها النهائي بأن هذا الميت لا يستحق كل هذا البكاء؟ المهم أنها قد قامت بعد ذلك بأغرب تصرُّف في حياتها على الإطلاق، كفكفت دمعها، وتنهّدت وحزمت أمرها، ثم يمّمت وجهها صوب السوق فاشترت لزوجها (العريس) جميع مستلزماته التي تساعده ليبدو في أزهى حُلة، وتسوّقت لنفسها وعادت بثوب قشيب وهي تضمر في نفسها أمراً يُعد قيامها به ضرباً من الجنون أو قدرة فائقة على الإحتمال ضد كل قوانين الطبيعة البشرية. { وكان أن رافقت زوجها إلى عقد قرانه، ووقفت مُهنئة بكل ثبات ودون أن يهتز لها رمش، وزغردت في حضرته وحضرة «ضرّتها» كما لم تفعل من قبل، وأرسلت ابتساماتها وتبريكاتها للجميع، ثم لملمت بعضها وعادت إلى بيتها، وكل من حولها يراقبها بتوجُّس على اعتبار أنها ستنفجر قريباً وتنهار، ولكنها لم تفعل!!. { وإنني لم أستطع حتى الآن أن أجد تفسيراً لهذه الحالة التي تلبّستها بكل هذا الهدوء والبرود، ولا أعرف هل أشد على يدها مهنئة على كل هذا الجَلَد والمثالية، أم أُعزيها على مصابها الجلل وجرح مشاعرها الغائر؟ كل ما أعرفه، أنها لم تكن تستحق ما حدث لها، وكل ما علمتني إيّاه أن ليس هناك رجل يستحق دمعتها و(جرستنا) و(بشتنتنا)، وليتنا نستطيع جميعاً أن نستوعب هذا الدرس القيِّم، أو كما قال المغني (ودّع أساك.. وأنسى النساك.. وبالغ كمان) وإنها (بالغت والله). { تلويح: تروح إن شاء الله في ستين!!