{ قصة مؤلمة ومحزنة في ذات الوقت، أو قُل يختلط فيها الحزن بالفرح لدرجة الارتباك، كانت بنت عشرٍ يومئذٍ، لما شعرت الطفلة ماجدة أن نظرها بدأ يتناقص، ولم يستطع الطب يومها أن يفعل لها شيئاً، كان ذلك قبل عشرين عاماً، لما فقدت بالفعل عينها اليمنى تماماً فأصبحت لا تبصر، بدأ الألم يسري في عينها الأخرى، ذهبت وقتها لأحد اختصاصيي العيون بمستشفى السلاح الطبي بأم درمان وذلك لأجل فصل العين التي فقدت الإبصار عن اختها الأخرى، قال لها الطبيب إن العين اليمنى قد انفصلت عن الأخرى، أو أنه قد وجدها مفصولة بفضل العناية الإلهية، ونصحها أن تصبر على الألم ولا تستعجل في قتل جذور العين التي بقيت، لعل الطب يوماً يصل إلى مرحلة ابتكار (زراعة القرنية). فقدت ماجدة من ذلك الوقت نعمة البصر ولكنها لم تفقد نعمة البصيرة والأمل، كما ذهبت تمارس دراستها وحياتها عبر جمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة، فوصلت ذات يوم إلى منظومة الشبكة الطالبية لدراسة فنون الكمبيوتر عن طريق تقنية خاصة لغير المبصرين، لكن الإخوة في الشبكة بدأوا يراجعون الطالبة ماجدة للعودة إلى المشافي والتطبيب من جديد وبعد عشرين عاماً من فقدانها نعمة الإبصار، وبدأوا يترددون بها على مستشفى مكة بالخرطوم، لما أخبرهم الطبيب الاختصاصي بأن ماجدة تحتاج إلى عملية زراعة قرنية بكلفة تسعة ملايين جنيه، ساعتها (تمددت الشبكة) في شرايين بعض أهل الخير والفضل فوفرت ذلك المبلغ، ودخلت الطالبة ماجدة إلى المستشفى وخضعت لعملية زراعة قرنية، وكانت المفاجأة السارة أن خرجت ماجدة من المستشفى وهي مبصرة بعد عشرين عاماً من انضمامها إلى جمعية المكفوفين. قال لي الأستاذ محمد الجيلاني، القيادي بمنظومة الشبكة الطالبية، قال لقد سألناها كيف شاهدت الدنيا بعد عشرين عاماً، قالت ماجدة، وقد اختلط عندها الفرح بالبكاء (وجدت الدنيا حلوة) و... و... { كنت ظهيرة أمس الأول، ضمن مجموعة من الزملاء الصحفيين، نشهد احتفال الشبكة الطالبية بمناسبة (إبصار ماجدة) واسترداد نعمة البصر بعد عشرين عاماً، كما لو أنها تولد من جديد، وقطعاً سيصبح لها تاريخان للميلاد: تاريخ ما قبل الإبصار وتاريخ الإبصار، وربما الشبكة الطالبية برمتها تدخل إلى (مرحلة الإبصار)، على أن مشروعاتها الطلابية متعددة الأغراض (قد رأت النور) وأبصرت، على الأقل نحن كإعلاميين في هذا المشهد الاحتفالي قد وقفنا على نوعين من الإبصار، شهدنا الطالبة ماجدة (المبصرة) وشاهدنا بأم أعيننا (مشروعات الشبكة) التي رأت النور، منها ما يمشي على رجلين، ومنها ما يمشي على ثلاث (كالدراجات البخارية التي وُزعت للمعاقين) ومنها من يمشي على أربع. والقصة كلها تبدأ باستخدام (نعمة الأخيلة) والإبداع والابتكار والبصيرة، بقليل من الإمكانات المادية وكثير من الأحلام والأخيلة، لم تكتفِ الشبكة، على سبيل الإبداع والابتكار، بأن تمنح الطالب المعوق دراجة بخارية لتحمله إلى أمكنة لم يكن يبلغها إلا بشق الأنفس، ولكنها ابتكرت (إلحاق شنطة) بالدراجة مؤهلة (لحمل الاسكراتشات)، موتر المعاقين المنتج وعلى ذلك قِس. { ولا نعرف حقيقة بمن نحتفي؟ أنحتفي (بماجدة) التي لم تفقد نعمة البصيرة والأمل، أم نحتفي بهذه المنظمة الطالبية التي علمتنا من جديد «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»، معنى القرآن المتجدد وعدم القنوط وعدم اليأس في هذه الحياة الدنيا، فكل ما قفل أمامك باب فهنالك عشرات الأبواب تحتاج لبعض الإرادة والمصابرة والبصيرة لتفتح أمامك. { ولله الحمد من قبل ومن بعد، فيا من جعلت (ماجدة) تبصر، لا تحرم أمتنا السودانية في هذه الظروف نعم (البصر والبصيرة) حتى نجتاز كل (ظلمات الطريق).. والحمد لله رب العالمين.