كم أسعدني وشفي غليلي أن تبادر الكاتبة المصرية المعروفة أمينة النقاش بأن ترد حقاً معروفاً لأصحابه بلا منٍّ. وذلك من خلال اطلاعنا على مقال لها نُشر بصحيفة «الوفد» المصرية بعنوان «في تونس.. أعراض سودانية!!». وذاكرتها الحادة الوفية تستدعي أعظم ثورتين ليس على مستوى السودان فحسب بل تنسحب على دول الوطن العربي والقارة الأفريقية وهما: ثورة أكتوبر 1964م وانتفاضة أبريل 1985م. أي أن الانتفاضة التونسية على نظام بن علي لم تكن الأولى من نوعها. ولأن الزخم الإعلامي في منتصف الستينيات والثمانينيات من القرن العشرين لا يُقارن ولا يمكن أن نضاهيه بالآلة الإعلامية الآن التي تحوّلت إلى فك مفترس لكل الأسرار. فالإعلام اليوم لا يحتاج إلى «علي بابا» ليقول للأبواب المغلقة «افتح يا سمسم!». لذا فإن ثورة أكتوبر وانتفاضة أبريل مرَّتا ب«حياء» آنذاك أمام آذان وأعين الشعوب العربية والأفريقية والعالم أجمع. كُتّابنا الأشاوس في صحفنا السيارة أو أغلبهم كانوا في حالة غيبوبة حينما تناولوا بأقلامهم الانتفاضة التونسية دون إحالتها إلى الثورتين السودانيتين. وهذا ما نأسى له ونأسف خاصةً أنهما حدثتا في ماضٍ قريب.. وعلينا أن نتحسر على جيل التسعينيات الذي حدث له تغييب في تاريخه المعاصر، وأصبح كأطرش في زفة. فهو لم يسمع بأكتوبر وأبريل إلا كشارع وحديقة..!! وإن سمع.. يتراءيان أمامه كالغول والعنقاء..! إن عدم الإلمام بالمحطات الغارقة في تاريخ الثورات يُعد كارثة مثل كارثة انشطار الوطن. فهلاّ أنصت واضعو منهج التاريخ لنبض ثورة أكتوبر وانتفاضة أبريل..!! أم هناك معضلة سياسية تجعل أبناءنا وبناتنا من هذا الجيل خارج فضاء الثورات والانتفاضات التي تجذرت بعد الاستقلال؟ لقد قالها الرئيس البشير: «نحن شعب الانتفاضات وتعلّم الناس منّا». ونزهو بأن سارت تونس على خطى انتفاضات سودانية لم تسعف الميديا الإعلامية وقتها أن تكرسها كقصب سبق وتباهي بها في موسوعة غينيس. عتيق.. المعتق: ونردد مع شاعرنا عتيق المعتق إبداعياً: حرام في بلدي ألقى وداري للسوق أزح كداري وفي الأمانة (إداري) يلهف ويداري بي حالنا ما داري مساطيل إتنين ماشين في الشارع.. واحد وقع في بلاعة.. التاني جرى وانتظرو في أقرب حنفية..!!