{ كانت أمام أحزاب المعارضة فرصة ذهبيَّة وتاريخيَّة لإسقاط (الإنقاذ) عبر ما سمَّاها الإمام الصادق المهدي (الانتفاضة الانتخابيَّة) من خلال انتخابات أبريل من العام الماضي، لكنَّها سرعان ما انسحبت (جُملة) و(قطاعي) من السباق، لتتركنا نحن (المستقلِّين) عُزَّلاً في مواجهة حزب يملك السلطة والثروة والجماهير.. { لديَّ تجربة شخصيَّة، شهد عليها الكثيرون، وفي مقدِّمتهم قرَّاء (الأهرام اليوم)، فقد خضت وآخرين من الزملاء الصحفيين، في دوائر جغرافيَّة بولاية الخرطوم، معارك ساخنة ضد مرشَّحي (المؤتمر الوطني)، غير أنَّنا فوجئنا - وللأسف الشديد - بخلو الساحة الانتخابيَّة تماماً من أيِّ أثر لمرشحي الأحزاب التاريخيَّة الكبيرة، واليساريَّة الصغيرة، فلم يدعوا إلى ندوات، ولم يعقدوا اجتماعات، ولم ينشروا (بوسترات)، ولم يشكِّلوا لجاناً تنظيميَّة، ولم.. ولم... { تحجَّجوا بأنَّها ستكون انتخابات (مزوَّرة) وانسحبوا منها بعد أن ترشَّحوا، وأعلنوا أنهم سيُسقطون (المؤتمر الوطني) لا محالة..!! { وما إن بدأت مرحلة (الحملات)، حتى تسرَّب السادة (المناضلون) إلى حيث لا نعلم، تبخَّروا في الهواء، فلم نعرف لهم جهةً.. ولا عنواناً.. { بصراحة، وفي ما يتعلق بالدائرة (13) - الثورة الغربيَّة، كنتُ واثقاً من الفوز، وكل الدلائل والمؤشرات كانت تشير إلى ذلك، فإذا جاء إلى ندوة (المؤتمر الوطني) ثلاثمائة شخص، كان يهرع إلى ندوتنا أكثر من (ألف) شخص، وكانت هناك مجموعات تأتي إلى لقاءاتنا بالحارات مهمتها (إحصاء) عدد الحاضرين في الندوة، وكانت تقاريرهم تقول بأن الحشد لا يقل عن (ألف وخمسمائة) شخص في ثلاث مرات.. { غير أنًّني كنت أعوِّل على أحزاب المعارضة في تغطية وتأمين صناديق الاقتراع، والمبيت في مراكز الاقتراع، ورصد التجاوزات، لأنَّ (اليد الواحدة ما بتصفِّق).. وقد بلغ عدد المرشحين بالدائرة (عشرين) مرشحاً.. يمثِّلون كل الأحزاب الرئيسة في البلاد..!! { انسحبت الأحزاب، حزباً بعد آخر، وتبقَّى منها (المؤتمر الشعبي) وأحزاب أخرى حليفة للمؤتمر الوطني، بالإضافة إلى المستقلين. عدنا إلى المواجهة رغم انسحابنا (التكتيكي) الأوَّل، بعد حادثة تبدُّل (البطاقات) بين الدوائر، وكنتُ أظنُّ - وليس كل الظن إثماً - أنَّ «المؤتمر الشعبي» سيشكِّل وجوداً حقيقيَّاً في مراكز الاقتراع، حتَّى وإن لم يكن له ثقل جماهيري، فهو حزب يعج بكوادر تنظيميَّة و(أمنيَّة) عملت في مختلف الأجهزة والمكاتب الخاصة للحركة الإسلامية قُبيْل (الانقسام)، ولكنَّني - وللمرة الثانية - صُدمت، وأصبت بخيبة أمل كبرى، إذ أن هذا الحزب العقائدي (الخطير) الذي بمقدوره حل مشكلة دارفور خلال ساعتيْن، كما قال الشيخ «الترابي»، لم يستطع توفير (مناديب) لمراقبة عمليَّة الاقتراع بالمراكز.. حتى المناديب في بعض الحارات عجز عن توفيرهم..!! { وكانت حرباً (قذرة) تلك التي خاضها ضدَّنا بعض المسؤولين في (المؤتمر الوطني) في ولاية الخرطوم، وزَّعوا المنشورات في المساجد، والبيوت، وحاولوا تعويق الندوات، ونشروا الشائعات، وعقد أحدهم مؤتمر صحفيَّاً ليقول: (هذا ليس منَّا ولا نعرف له اسماً ولا رسماً ولا بطاقة)..!! { أين كانت الأحزاب؟ ماذا فعلت؟ كم ندوة عقدت، كم اجتماعاً في كم دائرة.. في كم حارة؟! { إنَّها أحزاب عاجزة، وضعيفة، وخائفة، ومتردِّدة، والدليل على ذلك أنَّنا فعلنا، كأفراد، ما لم تفعله تلك القوى التاريخيَّة الكبيرة، وهذا ما شهد لنا به زملاء صحفيُّون من «مصر» الشقيقة، جاءوا في تلك الفترة لتغطية الانتخابات. { في الدائرة (13) - الثورة، استطعنا إلغاء الجولة الأولى من الانتخابات بالطعون والملاحقات القانونيَّة الدؤوبة، فانتصر لنا القضاء، وعندما حان موعد (جولة الإعادة)، كانت نتائج الانتخابات في معظم الدوائر قد ظهرت، وأكَّدت فوز (المؤتمر الوطني) الكاسح..!! فعلام نعود إلى المنافسة وقد حُسمت النتيجة، ولم تبق إلاّ نتائج (16) دائرة..!! { لقد ترشحتُ وأنا أمنِّي نفسي ببرلمان تتشاركه القوى السياسيَّة الأساسيَّة في البلاد، برلمان متوازن، يمكن أن تكون فيه الغلبة للمؤتمر الوطني، ولكن بداخله (عشرات) النواب من (الأمَّة) و(الاتحادي) وتشكيلات أخرى.. { خاب ظنِّي للمرة العشرين في تلك الأحزاب.. وكفرت بقدرتها على مواجهة (الإنقاذ) ببرامجها ومؤسساتها المتكلِّسة و(العقيمة) التي لا تنجب قادة، ولا تجدِّد قيادة..!! { السودان ليس في حاجة إلى (تغيير) من أجل التغيير، لا.. نحن في حاجة إلى تغيير من أجل التطوير.. وعندما تتطوَّر وتتقدًّم الأحزاب والقوى (المدنيَّة) الأخرى في السودان، فإنًّ التغيير سيأتي تلقائيَّاً دون حاجة إلى (محاكاة) المصريين والتوانسة، فنحن سابقون لهم في (الانتفاضة) على الحكومات. { الحكاية أعلاه فقط للتذكير.. والمراجعة، وليست لاسترجاع المرارات.. وحَمَى البلاد والعباد من شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.