{ الجدل القائم والمتكرر حول المثقف والسلطة، هو بيت القصيد لوزير وزر الثقافة الاتحادية (السموأل خلف الله القريش) حيث حاول تقصير المسافة تلك بينهما وتحمل عبء ذاك الحمل منذ أوان المجلس القومي للثقافة والفنون ومؤسسة أروقة وحتى مطلع وزارته المنتقاة بعناية لتكون، كما دعا ذات كل محفل تحدث فيه، بأنها ستقود الحياة في السودان. { والسودان مشرعة أبوابه الآن للتغيير على كل المستويات وكافة الأصعدة داخلياً وعالمياً/ أفريقياً وعربياً، شئنا أم أبينا، لذلك كان طبيعياً وانسيابياً أن تتغير الفكرة القديمة حول الثقافة التي يتعامل معها الناس بمفهوم مختصر يعني المسرح وما، ومن يمشي فيه.. إن كان بالغناء أو التمثيل أو الافتتاحات أو حتى الأعراس الجماعية. وهو تغيير ينضج على نار موقدة من ليالٍ غنائية ومنظمات شبابية لا تحوي في داخلها همّاً ثقافياً، سوى التفريج والتفريح (ويا حلاتو قمر العشا مع الونسة والفرفشة)! { وبناءً عليه فرش الوزير أرض وزارته بزهور ملونة وورود فوّاحة من الوعود الناطقة رسمياً بالأحلام لتكون ممشاه العريض تجاه المتحف القومي يمهده لأقدام الحاضرين لأماسي الخرطوم الغنائية الناجحة التي جعلت الناس يمتطون (درب الكباش) لرؤية وسماع المطربين ويلصقون اللبان على أقدام تماثيل الملوك كي يقبعوا أطول داخل حوش المتحف! وبالطبع مواصلة الفكرة الحالمة بأن تقترب المسافة الشاسعة بين الناس والتأريخ القديم، الذي هو ذاته ما دعاه محفوفاً بالهيئة القومية للآثار والمتاحف وولاية الخرطوم أن ينسربوا صوب النيل العظيم لإقامة مهرجان لباخرة ظلت طوال سنوات مهجورة وملعونة تحت ألف مسمًّى ومسمًّى، لتعود حياتها إليها بدون نيل لكن بتغني..! ثم تتواصل عروض الحياة طوال شهر فبراير الحالي، بافتتاح ضخم لمهرجان (أُم دُر) الغنائي محتشداً بكل الطاقات الغنائية الفذّة يعلنون (نحنا عزّك يا بلد).! { والبلد الكبير ناقص كم؟ يعاني من مشكلة ثقافية عجيبة تتمثل في استعلاء الغناء على كافة أشكال الثقافة الأخرى، ذات الغناء الذي كان قبل أوان ليس بقصير ممنوعاً ضمنياً بأمر ذات هذه الحكومة! وكان، أن تغني، فيجب أن تعتلي حصان الأناشيد الجهادية ولا سيما المديح المتحول جينياً إلى علب صدئة خالية من روح الجذب. لكن الآن أضحى جاذباً جداً أن تكون فناناً بل ويجب كذلك أن تكون سياسياً تتبع بعض الوقت لحزب المؤتمر الوطني ما دام العداد يرتفع كل مرة صفراً عشرياً ورامي إلى الأمام. { وأمام (السموأل خلف الله) - أو خلفه ربما - جوقة من المغنين المترحلين في مثلث الغناء بين الخرطوم وأم درمان وبحري! كلمات ولحن وأداء يقود بهم الحياة السياسية بذكاء فنان محنك يعرف من أين تؤكل كتف الشباب السوداني (المباري) للفنانين الشباب منذ (حوتة وحتى الإمبراطور وحمادة) يملأ فراغهم ورغباتهم ووقتهم ببرنامج مكتمل النضج والطرب كي لا يشعروا بتكلس الملح السياسي في الجسد السوداني وتأخذهم نشوة التغيير كما يحدث في مصر. وقد فرغ شباب مصر تماماً من فوضى الطرب والرقص والعري والمباح والكبت، إلخ... وتفرغوا للمستقبل وكراهية السياسة الفاشلة. أو على أفضل الفروض كي يحسوا بأوكسجين عادي وهواء طبيعي غير خانق فهناك الطرب تحت حماية الدولة! { والدولة كما تظهر على الشاشة، قد غيّرت وضعيتها تجاه الفنون في العموم فشهدنا السيد النائب الأول يفتتح معارض تشكيلية بلا تعقيد سياسي وببساطته المحببة وقربه للشباب كما يودّ، وعرفنا وجوه وزراء حاليين من خلال المهرجانات الفنية فعلمنا وجودهم السياسي داخل الدولة، وبالتأكيد عرفنا فنانيهم المفضلين. لكن أن تغيِّر وضعها ذاك بتسييد الغناء على كافة أشكال الثقافة فهذا ما لا نحبه ولا نؤيده، ليس كفاعلين إنما كمتفاعلين، فالغناء موجود على (ام بي ثري) والاسطوانات والأشرطة، ...إلخ.. أما الفعل المسرحي الحقيقي والدراما والسينما، وتنشيط صناعة الثقافة بمختلف نشاطاتها والتشكيل والفنون الشعبية وكل عموم الثقافة فإنها معدومة في سوق الحياة السودانية ولا تُشترى إلا بالأسود من الحزن والوقت والمال! *المسيرة متواصلة لقيادة الحياة*