يبدو أن مسألة مشروع الجزيرة أصبحت معقدة وشائكة ومستعصية بعد أن تعرض إلى هزة جعلته طريح الفراش منذ تطبيق قانون 2005 الذي يصفه خبراء الزراعة بالكارثة ويتساءل العديد من المختصين والمهتمين بالشأن الزراعي عن النتائج التي حققها المشروع في إنتاجية المحاصيل (ذرة، فول، قمح، قطن) بعد مرور خمس سنوات على التطبيق، وهل تم تأهيل قنوات الري الصغرى بتركيب الأبواب والمواسير والعدادات وصيانة الكباري والقناطر؟ وقالت قطاعات المزارعين في ظل تولي روابط مستخدمي المياه ومنسوبي الهدف إن الطلمبات في المشروع أصبحت وسيلة الري الأساسية، بدلاً عن الترع لعدم الدراية بمقاسات المياه وخبرة التوزيع، وأشاروا إلى أن الوضع خطير وأن ما يحدث خطأ في حق المزارعين تتحمله أطراف عدة في مقدمتها الحكومة ومجلس إدارة المشروع واتحاد المزارعين وغيرها من الجهات التي أسهمت في وضع قانون 2005 ويستغربون غياب السلطات على مستوى الغيط، ويتساءلون: ما هي التقارير التي تصل إلى المسؤولين في الحكومة؟ إلى ذلك بحسب تصريحات مجلس الإدارة أن الموسم الزراعي الشتوي انطلق بزراعة القمح في 15 نوفمبر الفائت بأقسام المشروع، ولكن تدور في أذهان الكثير من المراقبين أسئلة حائرة تبحث عن إجابة ما، هي حجم الرقعة الزراعية التي زرعت بالمحصول الإستراتيجي وما هي نسبة الري فيها حتى 15 ديسمبر بعد مرور شهر من تاريخ الزراعة رغم فوات تاريخ إيقاف زراعة القمح؟ وهل قنوات التفاتيش والأقسام ال(18) الممتلئة بالحشائش والشجيرات تم تأهيلها ونظافتها حتى يتمكن المزارعون من ري المحصول إلى آخر رية؟ يبدو أن الواقع يختلف ما بين التصريحات الوردية والحقيقة المرة في المشروع. مزارعو قسم المسلمية على لسان عضو اتحاد المزارعين الزين بخيت قالوا إن واقع الزراعة شيء وما يتحدث عنه المجلس شيء آخر، وكذلك الحال بالنسبة إلى مزارعي وادي شعير والمنسي والشوال والوسط، وفي السياق شن عضو مجلس القمح بالنهضة الزراعية سليمان سيد أحمد هجوماً على قانون 2005 ووصفه بالكارثة التي ستقضي على الزراعة بالمشروع، وأضاف أن القانون أحدث خللاً كبيراً في الدورة الزراعية في إشارة إلى انتشار زراعة محاصيل متنوعة في النمرة الواحدة، وانتقد حرية التركيبة المحصولية للمزارعين وقال إنها تعني الفوضى. وكشف رئيس اتحاد مزارعي قسم التحاميد رحمة المولى محمد أحمد عن مساحات واسعة بتفاتيش شاكر و89 النالة والشويرف ومكتب شديدة لم يتم ريها حتى الآن رغم انتهاء ميقات الري والزراعة وحمل مسؤولية تأخير عمليات الري لروابط المياه وإدارة المشروع، وقال ل(الأهرام اليوم) إن المزارعين زرعوا القمح منذ أواخر نوفمبر ولم يتمكنوا من ريه لنقص مياه الري في القنوات الفرعية وامتلائها بالحشائش، وأضاف: هناك غياب تام من قبل مسؤولي الري. وحذر من فشل الموسم الشتوي حال استمرار معضلة المياه، وأردف: هناك مساحات أخرى مقدرة تعاني من نفس المشكلة في العديد من أقسام وتفاتيش المشروع. وفي السياق اعتبر عضو سكرتارية تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل إبراهيم طه الموسم الزراعي مهدداً بالفشل لمعاناة المنتجين المستمرة من تدني المناسيب وتسرب كميات المياه نتيجة لفتحات في جنبات الترع، وكشف عن مساحات بقسم الهدى لم ترو بعد. وفي السياق قال عضو لجنة الزراعة بالبرلمان وعضو هيئة نواب ولاية الجزيرة إبراهيم الشيخ بدر إن المشروع يتهاوى في ظل هذا القانون ودعا إلى تكوين لجان للطواف على أقسام المشروع لتقصي الحقائق حول أوضاع الزراعة والمزارعين وأضاف أن في ظل هذا الوضع الراهن سيهجر المزارعون الجزيرة. ويرى العديد من الزراعيين أن تراجع الإنتاج والإنتاجية في ظل هذا القانون تقود إلى نتائج كارثية في مجالات الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. في السياق أوضح د.صلاح عبد الله بإدارة عمليات الري بوزارة الري أن عملية الري بالمشروع كانت تتم بتنسيق كامل بين وزارة الري ممثلة في الإدارة العامة لعمليات الري وإدارة مشروع الجزيرة وتقوم وزارة الري بإدارة وتشغيل وصيانة شبكة الري من خزان سنار حتى القنوات الصغيرة وتعاونها في ذلك معظم إدارات الوزارة الأخرى (كالخزانات، الميكانيكا والكهرباء، المشروعات، محطة البحوث الهايدروليكية) وتقوم إدارة المشروع بتوزيع مياه الري في القنوات الصغيرة ويقوم المزارعون بعملية التوزيع داخل قنوات الحقل (أبوعشرين) وقد نجح الشركاء الثلاثة في هذا العمل الفني والمعقد ردحاً من الزمن، ونوه إلى خطورة تحويل إدارة الري لإدارة المشروع وتولي روابط المياه مسؤولية إدارة شبكات الري. وفي ذات الصعيد قال وكيل وزارة الزراعة السابق ومدير الإدارة الزراعية بالمشروع؛ عمر عبد الوهاب: إنه تم اعتماد قانون مشروع الجزيرة لعام 2005 والآن بعد مرور 5 سنوات على تنفيذ القانون ماذا تم على الأرض؟ وهل الحكومة راضية عنه؟ والرضا يتم تقييمه عبر حجم الإنتاج والعائد الذي وفره المشروع للمزارع وللدولة. وتابع: ما شاهدناه خلال الفترة الأخيرة أن روابط مستخدمي المياه لم تلتزم بتلك المحددات الفنية مما سبب ضرراً بالغاً للمزارعين وللدولة حيث أن الموارد المائية المتاحة للمشروع لم تفد المزارع وفي نفس الوقت أهدرت في غير طائل. وأردف: الحرية مطلوبة للمزارعين ولكن الحرية المطلقة التي لا تحدها حدود تساوي الفوضى، والمزارعون مرتبطون بشبكة ري واحدة ويؤثرون في بعضهم البعض. وأشار إلى أن الترع الفرعية في المشروع مصممة لتروي حوالي 50% من مساحة الترعة ووجه انتقادات عنيفة لمفسري القانون حول حرية المزارع في استخدام أرضه وقال: هذا سوف يتسبب في عطش أراضي مزارعين آخرين. وقال قطاع واسع من المزارعين بأقسام وتفاتيش مشروع الجزيرة الذين تحدثوا ل(الأهرام اليوم) إن معضلة المشروع قانون مشروع الجزيرة 2005 وليس أداء وزارة الري والموارد المائية التي صارت لا علاقة لها بري المشاريع القومية، وحمل المزارعون تدهور الأوضاع الزراعية لقانون 2005 واتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل ومجلس الإدارة، وأشار المزارع بقسم معتوق تفتيش الماطوراب سيف عباس إلى أن المزارع الصغير لم تعد الزراعة خياراً اقتصادياً بالنسبة له، ودعا المزارع بقسم ودحبوبة زين العابدين برقاوي إلى إلغاء روابط المياه التي أربكت العمل في الغيط، وحذر من استمراريتها التي قال إنها ستؤدي إلى شرخ النسيج الاجتماعي لعامل المحسوبية والقبلية في توزيع المياه. وحمل الحكومة مسؤولية تدهور المشروع. وقال المزارع بتفتيش الحداد القسم الجنوبي صديق محمد نور: المشروع يخطو نحو الهاوية. في إشارة إلى تدني الإنتاجية لكافة المحاصيل وخروج مئات الآلاف من الأفدنة من دائرة الإنتاج، وأهدار كميات كبيرة من مياه الري وتقلص مساحات القطن إلى 10% وانتشار الآفات والحشائش المستعصية والشجيرات في أراضيه. فالتقارير التي ترفع إلى الحكومة ورئيس المجلس الأعلى للنهضة الزراعية من قبل مجلس إدارة المشروع يبدو أنها غير حقيقية ولا تمثل واقع المشروع الراهن فتراجع زراعة المحصول الإستراتيجي القمح إلى 150 ألف فدان وجزء منها لم يرو وانسداد القنوات بالحشائش وتسرب كميات المياه وانتشار زراعة الكبكبي والبصل وتعرض الموسم الصيفي إلى هزة عنيفة أخرجت قطاعاً عريضاً من المزارعين من دائرة الإنتاج ولكنها قد تكون مقبولة للحكومة لأنها تتجه إلى رفع أعباء التمويل والمرتبات والدعم للأسعار فضلاً عن خروجها من دائرة مشاكل الزراعة والمزارعين فالتقارير في باطنها أنها تصور مستقبلاً زاهياً للمزارعين بتطوير الإنتاجية وامتلاك الحواشات والاعتماد على الذات في إدارة النشاط الزراعي.. فالواقع الماثل يراه المزارعون بأنه قاتم جراء تدني الإنتاجية والفوضى العارمة التي ضربت المشروع وخراب البنيات التحتية لأصول الري والقناطر وسرايات وتفاتيش المشروع فضلاً عن الإنذارات التي سلمت إليهم من قبل البنك الزراعي الذي يتوعدهم بالملاحقات والسجون.