المشورة الشعبية بالنيل الأزرق وصلت نهاياتها، ويبدو أن أغلب المواطنين الذين شاركوا فيها، (80) ألف مواطن، قد نادوا بالمزيد من التنمية وتنفيذ مشروعات الطرق والكهرباء والمياه.. لكن لماذا حاول الفريق مالك عقار والي النيل الازرق إفراغها من مضمونها الذي هو أخذ رأي مواطني النيل الأزرق في ما حققته الاتفاقية في ما يخص النواحي الاقتصادية والدستورية والإدارية. إلى ذلك، يمضي تنفيذ آخر مستحقات اتفاقية السلام لتفاجأ الأوساط المراقبة بأن الدرس لم ينتهِ بعد وأن «المشورة» تُحور؛ فقد أكد مراقبون أن هذا الملف قد يصل إلى حد التحكيم الدولي ويخرج من بين يدي الشريكين. وعقار والي النيل الأزرق يعلن صراحةً مطالبتهم بالحكم الذاتي ثم يرفض في حديثه لوسائل الإعلام وضع سقف لذلك المطلب ويعلن أن المركز في حال عدم انصياعه لرغبة الولاية وهي «الحكم الذاتي» قد يلجأ إلى التحكيم. ولم يُسمِّ عقار جهة التحكيم تلك؛ وطنية هي أم دولية، لكنه سبق وأن لوَّح باللجوء إلى التحكيم الدولي في حال تعنُّت المركز. وبالرجوع إلى الوراء قليلاً نجد أن واقع الحال كان يراهن على أن المشورة الشعبية في ذهن الرجل هي الانفراد بحكم الإقليم وإبعاد سيطرة المركز؛ فقد هدد عقار في أكثر من مناسبة باللجوء بالفعل إلى محكمة العدل الدولية، وقال: «في حال الاختلاف في مسألة المشورة الشعبية سنلجأ إلى المحكمة الدولية»! وما لا يُفهم من تصريحات لعقار نفسه قوله: «إن المشورة الشعبية ستُحدث تغييراً واسعاً في نظام الحكم في السودان»، إلا أنه تراجع وقال: «ربما تقود إلى الوحدة والاستقرار». وعقار الذي وُصف بالوحدوي «كامل الدسم» تقاطعه تصريحاته في ذلك الخصوص وهو القائل في مؤتمر صحفي عقده في مايو الماضي: «إن الحديث عن الوحدة الجاذبة قُصد منه الابتزاز السياسي»، ثم أردف: «هذه أصبحت أغنية سياسية». ونعته بعض مواطني الولاية بالدكتاتور والرجل القابض، وهو الذي أتى إلى رئاسة الولاية بعد خوض انتخابات شكك البعض في نتيجتها وكان أتباعه يرفعون حينها شعار (يا النجمة يا الهجمة)، وفسروا النجمة بالرمز لعلم الحركة الشعبية والهجمة بالحرب. وعقار الذي قضى سنوات طويلة في صفوف الحركة الشعبية خاض خلالها حرباً طويلة ضد المركز يرى مراقبون أنه لم يستطع خلع ذلك الجلباب بعد، ولم يُخفِ ذلك في الكثير من تصريحاته؛ فقد قال خلال زيارة له لواشنطن قبل عامين إن مناطق أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق ستخوض حرباً ضروساً ضد ولايات الشمال حال رجحت نتائج الاستفتاء خيار الانفصال، وقال إن 60% من مكونات الجيش الشعبي ينتمون إلى المناطق الثلاث! وليس بعيداً عن ذلك السياق فقد سأل عقار في ندوة سياسية بجامعة النيل الأزرق الطلاب الذين كانوا يحضرون الندوة بقوله: «بالله أنا عربي»، ثم أردف بقوله: «أتحدى أي طبيب يثبت عبر ال (DNA) أن في جسدي مزعة عروبة»! ويوصف عقار لدى العديد من المحللين بأنه مازال في جلبابه القديم وأنه يرى الأوضاع بعدسته القديمة خاصةً تجاه الشمال والمركز تحديداً ومثال لذلك دعوته في ندوة قدمها بالمعهد الأمريكي للسلام بواشنطن بحضور د. غازي صلاح الدين وغرايشين وعرمان عندما دعا إلى استمرار فرض عقوبات على الشمال وقدّم ما يستطيع من مبررات لاستمرار تلك العقوبات. وانتُقد عقار لرفعه شعار المهمشين عندما أنشأ مركزاً ثقافياً في ولايته بتكلفة بلغت (700) ألف دولار، ومن بين الأوساط التي انتقدته وسائل إعلامية من بينها صحيفة منسوبة إلى الحركة الشعبية في زاوية تحت عنوان (والي وسفر وهمر)، وتهكمت على تسمية المركز باسم مركز مالك الثقافي بسخرية وهي تنعته بملك المهمشين، لافتةً إلى انعدام الخدمات الأساسية بولايته من تعليم وصحة، وأشارت الى أن الرجل يمارس صرف الأموال المتدفقة لتضخيم ذاته وإشباع هواياته في استعراض الفنون الإثيوبية وتساءلت لماذا لا يسمِّي المركز بما يرمز ويخلد ثقافات المهمشين من أهل المنطقة؟! والحديث برُمَّته يصبح مدعاةً لطرح العديد من التساؤلات: هل يسعى عقار بالفعل إلى توجيه سير المشورة الشعبية لتصب في حسابات خاصة وفي دفاتر مَنْ توضع تلك الحسابات، هل يتم وضعها على صفحات دفاتر الحركة الشعبية، أم في رصيد حسابات عقار الخاصة؟ هل تخيب تلك الظنون ويرجِّح والي النيل الأزرق كفة مصالح ورغبات شعوب المنطقة الحقيقية واحترام اختيارهم بكل شفافية أم يكرِّس لتحقيق رغباته الخاصة؟ المعلومات التي يتم تناولها الآن شفاهةً وعبر وسائط الإعلام، تؤكد أن ثمة محاولة لجعل المشورة الشعبية تنحرف انحراف ما يحدث لمشروع المشورة الشعبية بالنيل الأزرق، وإفادات شهود العيان أن المواطنين ربما يتم توجيههم للمطالبة بالحكم «الذاتي» الأمر الذي شكك في حدوثه مراقبون وقالوا إن عقار كان يسعى له منذ سنوات.