.. أحتدَّ نقاشي اليوم مع أمي، فهي مازالت تعتبرني تلك الطفلة الشقية التي لا تعي شيئاً من أمور الحياة، فأنا أُريد أن أعبّر عن رأيي واستقلالية ذاتي؛ لأنني أمر بالمرحلة التي يسمِّيها علماء النفس (فترة المراهقة). الفترة التي لا تهتم بها كثيراً الأُسر في دول العالم الثالث رغم خطورة آثارها في المستقبل ويعتبرونها قطار أعوام يمر على قضبان الحياة كالعادة. والفتاة في هذه المرحلة تحتاج إلى والديها، وخصوصاً أمّها، تحتاج إلى الحب والاهتمام.. تحتاج إلى أذن تسمعها لتبث لها مشاعرها؛ فهي مرحلة تكوين الشخصية ورسم خريطة المستقبل النفسي السوي، وأمي لا تدرك خطورة المرحلة التي أمر بها!! فهي يجب أن تراقبني دون أن تُشعرني بذلك، وإن وجدت خطأً في سلوكي فيجب أن تعالجه بطريقة الإيحاء غير المباشر مع اعتماد منهج الصراحة والمكاشفة عند إدارة الحوار، وأن تُقيم معي علاقة صداقة تكون فيها هي المثل الأعلى والقدوة الحسنة، وتكون حكيمة في التعامل؛ أي رقيقة ولينة في الأوقات التي تقتضي ذلك، حازمة وشديدة في أوقات أخرى.. قلتُ لها يجب أن يكون هناك تقارب بيننا وتبادل للرأي والمشورة، وأن تُعطيني قدراً من حرية الاختيار، وإذا حدث خلاف تتناقش معي بود وتقنعني بأسلوب منطقي وتُشركني معها في الأعمال المنزلية وفي هوايتها.. قالت لي: إنها لم تتربَّ على ذلك.. فعرفت أنها نشأت على الخضوع والتسلط والنقد الشديد لكل صغيرة وكبيرة كانت في حياتها، لذلك هي تُسلط الضوء عليّ، مما يجعلني أثور على هذا الأسلوب القمعي الذي تتخذه أسلوباً لتربيتي. والمشكلة الكبرى تكمن في أنني أجد صعوبة كبيرة في إقناعها بأن جيلي يختلف عن جيلها، وكم أتألم حينما تقسو عليّ؛ ظناً منها أن تلك القسوة في مصلحتي.. فإذا بها تبتعد عن حياتي ولا تحتويني.. والفتاة منا في مثل هذه الظروف تبحث عن مَن يحتويها ولكن خارج المنزل.. صديقتها مثلاً، وإذا كانت هذه الصديقة سيئة، فإنها ستجذب البنت إلى طريق الشر.. لاسيما أنها ستجد عند صديقتها أذناً صاغية وهذا ما لم تجده عند أمها الرءوم. لا تسألوني أين أبي في هذه المظان، فهو مشغول عنا بمشاريعه الكثيرة ولا نراه في حالة صفو إلا لماماً، مما يُشعرني باليُتم والغربة رغم وجود أبي وأمي، أوَ لم يكشف أمير الشعراء أحمد شوقي النقاب عن هذا الأمر في الأبيات الموحية الآتية: ليس اليتيمُ مَن انتهى أبواه من همِّ الحياة، وخلفّاه ذليلا فأصابَ بالدنيا الحكيمة منهما وبحُسن تربية الزمانِ بديلا إنَّ اليتيمَ هو الذي تلقى له أُمّاً تخلّتْ أو أباً مشغولا أصدقائي، حدث هذا الصباح شيء غريب أبهج نفسي وأعاد لها توازنها المفقود، فقد طرقت أمي باب غرفتي برفق، وهي تُناديني بصوت ينساب منه الحنان الجارف، وعندما خرجت إليها وجدت بيدها مجلة طبية شهيرة مكتوب عليها هذا الخبر (يُحذر وبشدة الدكتور ممدوح العزازي كبير استشاريي الطب النفسي بالوطن العربي من حالة عدم التوافق النفسي للمراهقة مع الأم، حيث ينتج عنه بعض الآثار التي تتمثل في البحث عن أم بديلة قد لا تُحسن الابنة اختيارها، وقد تُصاب بإحباطات كثيرة تُؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب نتيجة للحرمان العاطفي، كما يمكن أن تنحرف المراهقة أخلاقياً، ويُصبح لديها دوافع عدوانية تجاه نفسها أو نحو الآخرين، وقد يترتب أيضاً على عدم التوافق إصابة الفتاة بأمراض نفسية جسمانية مثل: الربو والأمراض الجلدية والتوتر النفسي، وإذا ما تفاقمت هذه الحالة من عدم الانسجام فقد تُصبح الفتاة شخصية غير سوية في المجتمع). وهنا صاحت أمي وهي تأخذني في أحضانها التي كنت أحتاجها بشدة: حبيبتي هل تقبلين صديقة تحبك وتطرق باب قلبك قبل عقلك. في الختام وحتى الملتقى أعزائي القراء أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال حتى يقيكم شر الابتذال في الأشياء.