في التعقيب الذي وصلني عبر البريد الإلكتروني من الزراعييْن «معروف» و«الطيب»، حيث كتبا معقّبيْن على زراعة (العدسية) بمشروع الجزيرة. والآن أقولها بملء فيَّ، (الناس في شنو وانتو في شنو)؟! فبدلاً عن أن تحثا المزارعين على زراعة المحاصيل الإستراتيجية والبلاد تعاني نقصاً في الغذاء بل العالم أجمع يعاني من نقص الغذاء حيث كان من المفترض أن نستفيد من نقص الغذاء في العالم ويقدم السودان الغذاء له ونسد الفجوة العالمية لنحقق الشعار الذي رُفِع (السودان سلة غذاء العالم) .. أيضاً هنالك اتفاق تمّ من خلاله ترشيح (السودان وكندا واستراليا) لتوفير غذاء العالم. نعم السودان مؤهل لتقديم هذه الخدمة خاصة أنه يتمتع بإمكانيات وموارد طبيعية ضخمة تتمثّل في الأراضي الزراعية الشاسعة، والتربة الخصبة، والمياه المنسابة التي حبانا الله بها، إضافة إلى فصل الخريف الذي يسد النقص في ري بعض المساحات التي تتعرّض للعطش. كنت أتمنى أن يقود الزراعيون حملة كبرى لتفجير الطاقات الكامنة بالمشاريع الزراعية والمساهمة الكبرى في تبصير المزارعين بأهمية الاتجاه لزراعة المحاصيل الإستراتيجية التي تعود بفائدة كبيرة للدولة ولهم أولاً وقبل كل شيء.. فالمزارعون أصبحوا على درجة عالية جداً من الوعي حيث انتهى عهد المزارع الذي كان في السابق أداة من أدوات الإنتاج، الآن أصبح يشارك برأيه وقراره في رسم الخطط والسياسات.. فالمزارع الذي تتحدثون عنه هذا يعي تماماً أهمية زراعة القمح والقطن والحبوب الزيتية، ويعي كذلك أن هذه المحاصيل ذات عائد كبير ومجزٍ، ولكن السياسات هي التي أقعدته وتركت له حرية الاختيار في زراعة ما يشاء ويريد أن تتربّع (العدسية) و(البصل) على رأس قائمة المحاصيل في مشروع في قامة مشروع الجزيرة. (بالذمة) هل يُعقل أن نزرع هذه المحاصيل الهامشية ونقول إنها حماية للأرض من (الريح)؟! .. ف (الريح) دائماً تأتي بما لاتشتهي السفن. فالعدسية التي يتجاوز سعر جوالها كما قال الطيب ال (100) جنيه لا أظن أننا بحاجة إليها، كما أن آثارها معروفة خاصة للمصابين بأمراض ضغط الدم.. فالسودان يكثُر به المرضى بهذا الداء .. فضغط الدم يأتي نتيجة للتوتر والضغوط النفسية التي يتسبب فيها نقص الغذاء وارتفاع الأسعار، لذا فإنكما تساهمان بطريقة أو بأخرى في إصابة المواطن (الغلبان) بهذه الضغوط. كنت أتمنى أن أسمع منكما خططاً ودراسات لتغيير نمط الزراعة في السودان، والمبادرة بعمل حلقات في أوساط المزارعين بضرورة الاتجاه لزراعة المحاصيل ذات العائد المجزي. الآن نحن نستورد القمح وإنتاجنا الحالي يكفي فقط (16%) من الاستهلاك، فحتى وإن توسعنا في الموسم الجاري وزرعنا أكثر من (600) ألف، فإننا ما نزال في حاجة إلى الاستيراد لأن المزروع أيضاً لا يكفي حجم الاستهلاك.. فلماذا نستورد وأنتما تخاطباني كما جاء في ما كتبه «معروف»: (إن شاء الله نزرع زهور وورود وعنكوليب).. والطيب يؤمِّن على ما قاله معروف في مقال آخر. فمشروع الجزيرة الذي تتحدثان عنه يمكن أن يوفّر كل ما نريد من محاصيل. فعندما توقّف هذا (العملاق) كما أسماه (الإنجليز) عن زراعة الحبوب الزيتية، أصبح السودان مستورداً أساسياً لزيوت الطعام ولخام الزيوت، فهل يُحق الآن أن نُطلق عليه (العملاق) وهو يزرع البصل والعدسية ليقول لي «الطيب» بأنك تُحرضين على الفوضى، ويضيف لو كنت سياسية لاعتبرتك محرّضة لذلك!. نعم أهل الولاية الشمالية ونهر النيل رغم الحيازات الصغيرة والزراعة التي تتم بالجازولين بعيداً عن الكهرباء، نجدهم يزرعون ويأمّنون غذاءهم لمدة عام كامل. فالأطفال في هذه الأسرة يترعرعون وقلوبهم (مليانه) وعيونهم كذلك (مليانه) لأنهم كلما دخلوا مخازنهم يجدون مونة عام متوفرة. وأخيراً تأملوا معي قول الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف «وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ٭ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ونَمِيرُ أَهْلِنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِير» صدق الله العظيم