الملاريا باتت تعود من جديد وبقوة، وهنالك عدد كبير من حالات الإصابة بالملاريا وكذلك التايفويد ولا ندري ما هي الأسباب التي أدت إلى عودتها بهذه القوة والاستعلاء! ولكن في تقديري أن الأسباب الرئيسية وراء العودة بهذه القوة هي الفقر والجوع ثم انتشار البعوض. نعم الفقر والجوع أولاً ثم «أنثى» البعوض، فالفقر يؤدي إلى الجوع ويؤدي الجوع إلى ضعف المقاومة التي تجعل الجسم مستقبلا لعدد كبير من الأمراض لتدخل ضمن أمراض ضعف المقاومة فعندما تضعف المقاومة ويضعف الجسم حينها يكون الإنسان عرضة لأي شيء. فالدول التي تكثر فيها مثل هذه الأمراض يمكن حينها تسميتها بالدولة المتخلفة لكونها أصبحت حاضنة لكثير من أمراض التخلف، فالدول المتقدمة لا أظنها تعرف مرضاً يُسمَّى «الملاريا» أو «التايفويد» وقد حكى لي أحد القادمين من دول الغرب قال لي عندما وصلت لتوي مطار تلك الدولة أحسست بآلام حادة تبدأ من الرأس وتنتهي بالظفر وعندما وصلت أحد الفنادق التي كنت ضيفاً عليها انتابتني حُمَّى بدرجة حرارة عالية جداً حينها وجدت غرفتي امتلأت بعدد كبير من الأطباء الذين استدعتهم إدارة الفندق، وتمَّ إجراء فحوصات كثيرة ولكن لم يتعرفوا على طبيعة المرض الذي سبَّب لي ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة، قلت لهم أنا أعرف تماماً مرضي أنا مصاب بالملاريا، بعد ذلك نظر «تيم» الأطباء إلى بعضهم البعض وقرأت في وجوههم الدهشة من هذا المرض الذي يؤدي إلى الارتفاع الجنوني في الحرارة، بعد ذلك أخذت من حقيبتي أقراص الملاريا وبدأت في تناولها، الأقراص التي جاءت برفقتي من السودان. نعم هذا هو واقع الحال الذي نعيشه. الآن ولاية الخرطوم، سيدي الوالي، تعيش فوق أرتال من النفايات والأوساخ وقد كتبنا ونوهنا كثيراً إلا إننا لم نجد شيئاً.. فالنفايات ما زالت قابعة في مكانها وعربات وشركات النظافة لا حس لها، إن وُجدت، ولا أظن أن هنالك عربات للنظافة وإذا كانت موجودة لتحركت لأداء مهامها لأنها تتبع لشركات والشركات تعمل من أجل «الربح». فالسؤال الذي يفرض نفسه يا ولاية الخرطوم إلى متى تعيش الخرطوم في هذه الأرتال من الأوساخ والنفايات؟ فهذا هو واقع الحال منذ أكثر من (6) أشهر، فالمواطنون عجزوا عن الرمي بها بعيداً لأن البعيد الذي يرمون فيه هذه «الأوساخ» قد أمتلأ تماماً وأصبح بؤرة لتوالد البعوض والذباب فحتى وإن ذهبت لترمي الأكياس المليئة بالنفايات فإن الذباب والبعوض يحاصرك من جميع الاتجاهات ولو كان ناطقاً لتحدث معك وخاطبك بأن هذه المناطق هي مناطقهم وممنوع الاقتراب أو التصوير. تعجبت كثيراً وأنا أشاهد «البراميل» ذات اللون الأصفر التي تمّ توزيعها على الشوارع الرئيسية التي خصصت لرمي الأوساخ.. فلماذا لا توزع بالأحياء والأحياء في أمسّ الحاجة إليها..!! وهل سادتي «يستقيم الظل والعود أعوج»؛ فالعود الأعوج يكون ظله مثله تماماً وإن حاولت إصلاحه دون دراية ومعرفة «لانكسر». فالآن الخرطوم تنام على الروائح «الآسنة» وعلى طنين الذباب والبعوض كما قلنا ذلك في مساحة أخرى ولاحياة لمن تنادي. ولا أظن أن البراميل الصفراء تحكي روعة ونظافة الخرطوم؛ فاللون الأصفر هو دائماً لون الجفاف والتصحر والأمراض لينطبق علينا المثل «من برّه يعلم الله»..!! فلماذا نسعى للأمراض بأرجلنا ونذهب إليها في مكانها لتحضننا شهور عدداً وتزيّن دماءنا بلسعاتها وتعود الحُمّى من جديد.. حُمّى عالية ليست كالتي وصفها المتنبئ فالفرق ما بينها وحُمّى المتنبئ؛ فإن حُمّى المتنبئ تعود بالليل ويكسو وجهها الحياء أما حُمّى السودان فتأتي في كل الأوقات وزائرتي كأنَّ بها حياء فليس تزورُ إلا في الظلام.. فيا ولاية الخرطوم تحركي لإنقاذنا من أرتال النفايات، فنحن بحاجة إلى كوادر بشرية صحيحة ومعافاة لتساهم في إدارة عجلة اقتصادنا الذي أنهكه هو الآخر الفقر..!!