تعاني ولاية الخرطوم هذه الأيام من تردٍ ملحوظ في صحة البيئة وقد كتبنا أكثر مرة ونبهنا الولاية بأن النفايات باتت تهدد الولاية وأن أرتال النفايات ظلت تحاصر الأحياء من مختلف الاتجاهات ولكن لا حياة لمن تنادي. الآن نقولها بالصوت العالي: يا سيادة والي ولاية الخرطوم إن شركات النظافة لا حس ولا وجود لها ولا ندري أين هي، ويبدو أن واقع الحال ينذر بكارثة بيئية نحسب أنها ستؤدي إلى إغراقنا في بيئة متردية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ.. فالشركات الخاصة بالنظافة التي كانت تعمل خلال الفترة الماضية كانت أحسن حالاً من التي تعمل الآن؛ فالشركات التي تمّ التعاقد معها لا وجود لها على أرض الواقع، الأمر الذي أدى إلى أن تتراكم الأوساخ بكل أحياء ولاية الخرطوم ولقد لاحظت ذلك بأمّ عيني وأنا أجوب معظم أحياء الولاية للتأكد من أمر عربات النفايات، فكما قلت لا حس ولا وجود لها والغريب في الأمر أن يوم «1/11/2011م» جاءت موظفة التحصيل وقد سبقتها بنصف ساعة عربة النفايات، فعندما ذكرت لها بأن العربة وشركة النظافة في غياب تام كان ردها: «معقول ما جاتكم الليلة؟»، قلت لها معنى ذلك أنك قد حركتيها قبل حضورك لتأخذي رسوم التحصيل ولكن هيهات لن نعطيك شيئاً وقد بات حيّنا يقوم بترحيل النفايات بعيداً. فهذا هو واقع الحال العربة تأتي قبيل موظفي التحصيل بنصف ساعة ليتم التحصيل ثم تغيب شهراً بحاله. فأحياء الولاية تعاني ما تعاني من تراكم النفايات وولاية الخرطوم في سبات عميق وأقسم لك أن «الأوساخ» و«النفايات» الموجودة الآن في الأحياء عبر شوارعها وأزقتها بحاجة إلى (300) عربة لنقلها لأن المتوفر الآن رغم سعي المواطنين لإزالتها والرمي بها بعيداً ينذر بكارثة، فالمواطنون يعرفون تماماً مدى خطورة النفايات التي تتسبب في انتشار «الناموس» و«البعوض» ومن ثم الأمراض وقريباً ستتربع الملاريا بعد أن تمت محاربتها بنسبة معقولة ونعود لمربع المرض والفقر، فالملاريا والأمراض الأخرى التي تنقلها الحشرات التي تتجمع حول النفايات هي أمراض الفقر والتخلف، لذا فإننا ما زلنا متخلفين والدليل على ذلك عدم اهتمامنا بأمر النفايات، فالنظافة هي عنوان الدول وإذا كانت مدينتك غير نظيفة فإن ذلك يؤكد عدم اهتمامنا بأمر النظافة وكما يقولون «فإن الخطاب يكفيك عنوانه» وممكن جداً أن تكون السبب المباشر في إقالة المسؤولين عن أمر النظافة طالما أن الأشياء مرتبطة ببعضها البعض؛ فالنفايات تولّد الحشرات، والحشرات تسبب الأمراض، والأمراض تعطل الكادر البشري وتتوقف عجلة التنمية بالبلاد نهائياً ويرتفع الدولار ويقل حجم الصادرات وترتفع أسعار السكر وتتقلص المساحات المزروعة وتتوقف الآليات العاملة في مجال التنمية والطرق والسدود لأن من ورائها كادر بشري تعطل بسبب الأمراض. ألم أقل لكم بأن الأمراض التي تنقلها «الحشرات» تعتبر من أمراض التخلف والفقر؛ فالدولة الفقيرة والمتخلفة تزداد معاناتها وكلما فتحت باباً «انسد» في وجهها باب آخر وحينها ستجد كل الأبواب مغلقة ولا أحد يستطيع أن يستجيب لنداء التخلف والفقر لينطبق علينا قول شاعر: الزول العندو القرش الناس حتى أن كان كذب يصنتولو كلامو والمفلس تتعوج الوراهو وقدامو وتتوالهو «الكديسة» شقيش ما يودي حمامو نعم هذه الكلمات تكون معبرة جداً فعندما ينزاح منك الفقر والتخلف تكون ذا هيبة ومكانة سامية وعريقة في المجتمع ويلتف حولك الناس ليسمعوا ما تقول حتى وإن كان حديثك لا أساس له من الصحة، اما الذي يعيش تحت الفقر ويرتدي رداء التخلف فهذا يكون عرضة «للهرر» فهي تأكل كل «ما خزنه» من قوت وتكون وجبتها الأساسية «الحمام» فحتى وإن نجح الفقير في إخفاء هذا الحمام الوديع فإن «الكديسة» تعرف جيدا مكانه لتذهب إليه ثم تقضي عليه. وكل ما نتمنى يا ولاية الخرطوم أن تتحركي وتتعرفي بنفسك على واقع حال النفايات ثم إصداركم قرارات شجاعة بإبعاد الشركات التي تعمل في مجال النظافة واستبدالها بشركات أخرى ذات فاعلية وذلك من أجل المحافظة على بيئتنا نظيفة وخالية من الأمراض. نتمنى ذلك!