والحديث يتواصل عن إهمال القطاعات الاقتصادية بالسودان والتي كان من المفترض أن تأتي بعائد كبير تستفيد منه في إحداث تنمية تشمل جميع الخدمات بدءاً من الطرق وإحداث نقلة نوعية في التعليم والصحة والكهرباء وإنارة المدن والقرى، نعم المدن فهنالك كثير من المدن ما زالت تقبع في ظلام دامس، فمروي رغم احتضانها لأكبر مشروع اقتصادي ما زالت تُعاني الظلام وتعاني قرى الولاية الشمالية والقرى التي تقع بالقرب من مروي من الظلام أو الانقطاع الذي يمتد لأكثر من 24 ساعة فالصورة دائماً مقلوبة.. فالولاية الشمالية تعتبر من أكثر الولايات التي تعاني الإهمال من قبل الكثير من الحكومات التي تعاقبت ولكنها ستظل صامدة صمود شجرة النخيل المعطاءة، تعطي ولا تنتظر رد الجميل لأنها تشبعت بالكرم. قول لي انت وين ماشي محل الكرم الوراثي ومحل ما ترسى أنفاسي ومحل الطير كلو ماشي فالطير لا يذهب ولا «يمشي» إلا لتلك الأماكن الغنية بغذائه، فالنخيل والرطب يشكلان مورد غذائي درجة أولى للطير وللطير صولات وجولات مع الرطب فهو «لا يأكله» إلى النهاية بل يأكل حتى منتصف «البلحة» ثم يتركها إلى «بلحة» أخرى «ورطب» وهكذا لتمتد مسيرة الطير مع شجرة النخيل المعطاءة. فشاعر الكلمات أعلاه يخاطب «محمد» ويقول له « يا محمد» قول لي وين ماشي؟ ثم يرد عليه «محمد» قائلاً: محل الكرم الوراثي. وما دام الحديث عن القطاعات الاقتصادية المهملة، كان لا بد أن نلفت الإنتباه هنا إلى السياحة في السودان. فالسودان مليء جداً بالأمكان السياحية التي كان من المفترض الاهتمام بها وإدخالها دائرة الإنتاج ولكن للأسف الشديد ما زالت سياحتنا «صفراً». فالدول التي حولنا رغم قلة إمكانياتها، قد تتربع السياحة على رأس قائمة اقتصادياتها. فمصر تعتمد بعد الله على السياحة، وما من موقع إلا وتجده مكان للسياحة يعود بفائدة كبيرة لها. فالمتحف في مصر مكان للسياحة بنسبة 100% وذو عائد كبير خاصة وإن السياح يأتون إليه من كل مكان بهدف التعرُّف على الحضارة المصرية. نحن في السودان لدينا متحف لا يقل مكانة وإرثاً تاريخياً عن مصر ولكن لم يُستغل بعد ليعود بالفائدة لاقتصادنا، وكذلك الأهرامات وجبل البركل، أهرامات مروي ونوري والبجراوية والنقعة كلها حضارة مهملة وإرث تاريخي يعود إلى آلاف السينين يحكي روعة التاريخ السوداني. فالرمال «دفنت» هذه الآثار ولم يتبقِ منها سوى رؤوسها. فحتى تاريخ الأهرام والمقابر الذي كُتب عليها لم «ترحمه» الرمال، وكذلك جبل البركل الذي يمتد «نفقه» من البركل وحتى «دنقلا العجوز» في مشهد تاريخي يحكي إرثنا الجميل، ولكن للأسف لم يُستغل بعد كمورد اقتصادي يعود إلينا بالفائدة. شوف جبل البركل ثبوت وفي الحجار تاريخنا منحوت نعم تاريخ السودان «منحوت» في الحجارة وأكبر شاهد على ذلك شموخه. وعند آخر زيارة لي لسد مروي طفنا على الأهرامات وقد حدثنا أحد علماء الآثار الذي رافقنا في الرحلة بأن «ترهاقا» دُفن بالسودان وفي نوري تحديداً، وقال إنه قبل مجيئه للسودان عن طريق مصر طلب أولاً مده بمعلومات عن السودان ومائدته وعندما حدثوه عن الكرم السوداني والمائدة المتواصلة طوال اليوم هبّ مسرعاً وجاء للسودان. سادتي هذا هو تاريخنا، وحضارتنا، اقتصادنا، وسياحتنا، فلماذا لا نفتح الباب للسواح ونحدثهم ونحن نطوف بهم على تاريخنا الجميل ومائدتنا والسودان كما قال علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية في إحدى خطاباته قال السودان له في التاريخ قدم راسخ وسيف ممدود وقرآناً مرتلاً وكرماً، فالسيف الممدود «كناية عن الذبيح للضيف» إذن.. فلنسارع للاستفادة من الآثار كمورد اقتصادي يعود بالخير لبلادنا ولنبدأ أولاً بإزالة الرمال عن تاريخنا الصامد كصمود أهل السودان.