في الجمعة الماضية التي سمّاها المصريون جمعة الحسم استقال حسني مبارك من رئاسة جمهورية مصر العربية بعد احتجاجات عارمة صادقة رافضة لاستمراره، شملت مصر من أقصاها إلى أقصاها. وكان الرئيس مبارك عنيداً متشبِّثاً بالحكم متعامياً عمّا كان يجري في الشارع، وفي رواية أن ذلك لم يكن عناداً بقدر ما كان (ثُقل دم) غير مسبوق عبَّر عنه المتظاهرون بأكثر من صيغة، فقد جاء في إحدى لافتاتهم (لو ما عندكش دم نسلفك) وفي أخرى (إرحل يعني إمشي.. ياللي ما بتفهمشي)..الخ. ويقولون إن العنيد هو الشعب العريق البطل الذي صمّم على ضرورة رحيل الرئيس مبارك وبقي في الشوارع والميادين إلى أن تحقّق له ما أراد. وهناك رأي يقول إن الرئيس لم يرحل بمحض اختياره، فبعد بل أثناء خطابه الأخير الهزيل البارد الذي قبل أن يُكمله شرع المصريون يهتفون ضده. ولما فوّض سلطاته إلى نائبه اللواء عمر سليمان فإن المتظاهرين ردوا هاتفين (يا سليمان.. يا سليمان.. إرحل إرحل إنت كمان). وبات واضحاً للجميع أن «صلاحية» الرئيس انتهت وأن استمراره أصبح مستحيلاً، ثم زحفت الجماهير نحو قصره المحروس بالدبابات والمدرعات، فذهب إليه كبار قادة الجيش طالبين منه أن يستقيل، فالجيش لا يمكن أن يضرب الشعب. ويقولون إنه حتى بعد أن وصل الأمر إلى ما وصل إليه، إلا أنه كان ما يزال في الرئيس شيء من العناد أو المكابرة أو الصلف أو ثُقل الدم والغرور، فقد رفض أن يُلقي هو خطاب الاستقالة، فألقاه نائبه اللواء عمر سليمان وكان أقصر خطاب استقالة وكأن اللواء سليمان كان يُدرك أن «الحكاية» لم تعد تحتاج إلى كلام كثير. وأصبح الرئيس محمد حسني مبارك من أخبار التاريخ، والتاريخ تاريخان مشرِّف ناصع، وآخر بغيض مُستثقل. لا أحد يتمنى تكراره ومن هذا النوع الأخير تاريخ حسني مبارك رئيساً لمصر في الفترة من أكتوبر 1981م إلى مصر 11 فبراير 2011م. وما أكثر الأسباب التي أفضت بالرئيس مبارك إلى هذا الحاضر التعيس وإلى أن يتلقى من شعبه ذلك الكم الهائل من الإساءات والإهانات والتهكُّمات مما لم يتلقَ مثله أي حاكم في الماضي الذي تعيه الذاكرة. ففترة حكمه من جانب كانت أطول من اللازم وحتى إذا ما كانت هذه الفترة الطويلة ممتلئة بالإنجاز فإن طولها يؤدي إلى الملل، وملل الشعوب يؤدي إلى الغضب الذي هو جبار كاسح مهيب لا قِبَل للرئيس أيّاً كانت قوته على مجابهته. لكن فترة مبارك في الحكم لم تكن من النوع الذي أشرنا إليه آنفاً، فقد تخللها الفساد والقمع واستسلام الدولة للإملاءات الخارجية. ومن المضحك أن الرئيس في خطابه الأخير قال إنه يرفض أن يخضع للإملاءات الخارجية...الخ. لقد كان مبارك ضابطاً مقتدراً لكنه لم يكن بأي حال من الأحوال رئيساً في قامة مصر.