حذر كثير من الاقتصاديين وخبراء العمل من الآثار السالبة للبطالة التي استشرت بجنوب دارفور والتي كثيراً ما جأر منها مجتمع الولاية بالشكوى وهي ضاربة في جذوره وانعكست سلبياتها على أوضاع وسلوكيات المواطن. ويرى البعض أن اندلاع أزمة دارفور في حد ذاته كان بمثابة صب الزيت على نار البطالة وسط الشباب. ووصف نائب رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني بابكر محمد توم البطالة بأنها اكثر خطورة على البلاد من تمرد الحركات المسلحة. وأكد على ضرورة أن تكون واحدة من استراتيجيات الدولة إيجاد فرص عمل غير التوظيف في المؤسسات الحكومية، ففي مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة صار بولايات دارفور الآلآف من خريجي الجامعات كنتيجة حتمية لما يسمى بثورة التعليم العالي التي انتهجتها حكومة الإنقاذ في منتصف تسعينيات القرن الماضي الأمر الذي فتح آفاق أولئك الشباب وتطلعاتهم إلى فرص عمل ترفع مستوياتهم المعيشية وتؤمن لهم مآلات المستقبل مما أوجد ضرورة قصوى لأن تبدأ الحكومة محاولات لاستيعاب هذا الكم الهائل من خريجي الجامعات وأولئك الذين أجبرتهم الظروف على الاكتفاء بحمل الشهادات الثانوية لينخرطوا في مضمار البحث عن سبل العيش والرزق الحلال ليعولون به أسرهم ففتحت حكومة جنوب دارفور فرصاً للتوظيف في الأعوام (2005)، (2006)م و(2007)م لكن تلك المحاولات لم تجد بحسب المراقبين في ظل الأعداد الكبيرة من الخريجين التي تستقبلها جنوب دارفور في كل عام. فتحت لهم حكومة الولاية شراع الأمل مرة أخرى بأن دعتهم في أواخر العام الماضي إلى تسجيل أسمائهم لدى ديوان الخدمة بالولاية فبلغ عددهم حوالى (6) آلاف خريج بحسب مدير ديوان شؤون الخدمة بالولاية يحملون أحلاماً عراضاً للإنخراط في السلك الوظيفي لبناء مستقبل طالما حلموا به في السنوات الماضية وظل يصطدم بجدار (لا توجد وظائف هذا العام في ميزانية العام المالي) أما موازنة العام الحالي فقد سبقتها شكوى من حكومة الولاية وكانت متضمنة في الاحتجاجات الشهيرة التي قادتها ضد المركز، هذه الشكوى مفادها أن القوى العاملة في الولاية لا يتناسب عددها مع التعداد السكاني للولاية حيث بلغ عدد العاملين حوالى (25) الف يمثلون (0,5%) من جملة سكان الولاية بحسب تعدادها السكاني بينما في الوضع القانوني تحتاج الولاية إلى ما لا يقل عن (100) ألف عامل أي بنسبة (2,5%) من جملة السكان بحسب وزير الحكم المحلي والخدمة المدنية بالولاية د. عبد الرحمن الزين النور وقال الوزير ل(الأهرام اليوم) إن الولاية تطرح هذا العام عدد (3685) وظيفة للدرجات المختلفة من بينها (1558) وظائف إحلال في النمرة الوظيفية التي نزل شاغلوها إلى المعاش. في ظل ذلك يرى البعض أن الاعتماد على التوظيف الحكومي أمر غير مجد في هذا الظرف الذي تعيشه البلاد خاصة في ظل السياسات التي أعلنتها الحكومة بخفض المؤسسات الحكومية وتقليصها مما قد يحجم من إمكانية استيعاب موظفين جدد، في مقابل هذا الوضع هناك محاولات طرحتها الحكومة في إطار سياساتها الرامية لتخفيف حد الفقر وإيجاد فرص عمل من بينها برامج الخريج المنتج والتمويل الأصغر للمشروعات المدرة للدخل إلا أن تلك المشروعات لم يكن لها أثر واضح على الحياة العامة بالولاية، مما حدا ببعض الشباب وخريجي الجامعات أن يعبر ل(الأهرام اليوم) عن استيائهم من الإجراءات التي وصفوها بالعقيمة التي تتبعها اللجنة العليا للتمويل الأصغر بالولاية، حيث أعلنت اللجنة التي تترأسها وزيرة الرعاية الاجتماعية بالولاية د. زينب الربيع انطلاقة المشروع منذ شهر سبتمبر الماضي ودعت كافة الراغبين لتقديم دراسة وافية عن المشروعات التي يرغبون في تمويلها إلا أن المتقدمين لم يحصلوا على التمويل دون أن تكون هناك اسباب مقنعة لهم وانتقد بعضهم اللجنة باعتبار أنها أضاعت على أهل الولاية أموالاً تم اعتمادها للمشروع في ميزانية العام المالي المنصرم. لكن المقرر العام للجنة عبد الله رحمة عزا هذا التأخير في تمويل المشروعات إلى الآثار السالبة التي خلفتها تجربة مشروع تمويل الخريج المنتج التي كانت في العامين (2005)م و(2006)م وتوقفت في العام (2007) بسبب عدم سداد الخريجين للأموال التي تم تمويلهم بها والبالغة حوالى (2) مليون جنيه. وأشار رحمة إلى أن اللجنة تعمل الآن على دراسة كيفية تفادي سلبيات تجربة مشروع الخريج المنتج وإمكانية وضع ضمانات الاسترداد وأكد أن هناك حملة إعلامية واسعة سيتم تنفيذها في غضون هذا الشهر لتوعية المستفيدين بأهمية استرداد المبالغ التي يحصلون عليها وقال إن هناك (3) منافذ ستتم من خلالها عملية التمويل تتمثل في (سقف الائتمان الذي يمثل (13%) من رصيد كل بنك يعمل بالولاية)، ومحفظة الأمان المكونة من (16) بنكا وديوان الزكاة وحكومة الولاية التي تشارك بمبلغ مليون جنيه) فضلاً عن وحدة التمويل الأصغر المكونة من وزارة الرعاية الاجتماعية والبنك المركزي ومنظمات المجتمع المدني بالولاية. وأوضح أن الشرائح المستهدفة بالتمويل بشكل أساسي مواطني الريف بنسبة (70%) وأبان أن هناك اتفاقا مع البنوك لفتح منافذ لها في المحليات لجهة أن المشروع يركز في بداياته على مواطني الريف مع إعطاء الأولوية للمشروعات الجماعية لافتاً إلى التفاعل الذي أبدته البنوك بالولاية لإنفاذ هذا المشروع. وأوضح أحمد علي الحسين من وحدة التمويل الأصغر ببنك السودان المركزي في تصريحات له الأسبوع الماضي أن أهم المعوقات التي تواجه التمويل الأصغر تتمثل في محدودية الوصول إلى الفقراء خصوصاً في الريف وضعف التنسيق بين الجهات المقدمة للخدمة بجانب ضعف البنيات التحتية المؤثرة على عمليات التمويل مطالباً بأهمية تقديم الدعم المالي والفني للمصارف التجارية لرفع قدرتها التمويلية. فيما كشف الصندوق القومي لتشغيل الخريجين عن دورات تدريبية شملت أكثر من (1792) خريج وخريجة على مستوى ولايات شمال السودان من بينهم (500) خريج من جنوب دارفور في كيفية إدارة المشروعات والتنمية بالولايات عموما ما بين أمل الخريجين في فرص عمل وخطط الحكومة لكبح جماح البطالة عبر التوظيف وتمويل المشروعات المدرة للدخل يعيش أكثر من (6) آلآف شباب من العاطلين عن العمل بجنوب دارفور في انتظار ما يحمله لهم العام (2011)م من فرص عمل.