أية ثورة في العالم لها أسبابها ومسبباتها وهي أشياء تتراكم حتى يظهر الانفجار، لحظتها لا تستطيع الدولة كبح جماح الجماهير الغاضبة فتخضع أخيراً لطوفان الشعب الذي لا يبقى ولا يذر عندها تبحث الحكومة عن جودي يحميها من الغرق فلا تعرف له أثراً!! { وأية ثورة تتشابه مسبباتها وإن اختلفت مكاناً، وأولها الفساد والمحسوبية والاستغلال السيئ للوظيفة واستئثار المقربين بالموارد وإهدارها أحياناً في أشياء تفاخرية بينما الشعب يتلظى ومنهم من لا يجد حتى الفتات ليأكله. ومن هنا كانت ثورة الشباب في تونس وثورة الشباب في مصر، حيث وجد الشباب الطريق أمامهم مظلماً فهم لا يجدون الوظيفة ولا الشقة التي يسكنوها ليكونوا أسرة بينما يرون الظلم يحيق بالمجتمع ويحيط به من كل جانب ويرون الظلام وقتامة الطريق والأشواك وبؤس الحال والمآل. وبرغم التقارير الصحفية التي كانت تشير إلى فوز الحزب الحاكم بنسبة 99% ولولا الحياء وادعاء الديمقراطية لأضيفت نسبة ال1% التي تُركت للمعارضة التي كثيراً ما وُصفت بالخيانة والتنطع والوقوع في أحابيل الأجنبي. وعندما انتصرت الثورة في مصر أصبح الحزب الوطني في مصر سُبَّة برغم أن الدخول إليه سابقاً كان فتحاً مبيناً وقرباً من المتنفذين وأصحاب القرار والصولجان ولكن فجأة بدا وكأنه سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وعلى قول أهل الكنانة «فص ملح وداب»!!! أما ثالثة الأثافي فقد بدأت التهاني من الشركات ورجال الأعمال عبر الصحف تنهال تأييداً للثورة وجُل هؤلاء كانوا يهنئون الحزب والرئيس بالانتصار!! { استضافت قناة «المحور» المصرية الصحفي الكبير مصطفى بكري رئيس تحرير صحيفة «الأسبوع» المستقلة للحديث عن ثورة 25 يناير والرجل عُرف بكشفه للكثير من الفساد يقول جاءتني مرة ورقة من رئاسة الجمهورية كُتب فيها: «أحمد عز» يهمّنا أمره، نرجو أن لا تتناول الحديث عنه في الصحافة»!! إلا أن الأستاذ مصطفى بكري يقول رفضت تلك الإشارة وذلك التهديد المبطن وواصلت في كشف الفساد دون أن التفت إطلاقاً لما كُتب في الورقة، ويقول هذا النظام فاسد.. فاسد ويضيف هنالك أحد الوزراء، وذكر اسمه، ثروته بلغت ستة مليارات من الجنيهات فمن أين أتى بها؟!! وما مصدرها؟!! ويردف قائلاً: يجب أن يحاسب كل من ثبت أنه تكسّب من الحكم وسرق أموال الشعب. بل ولم يتوقف الأستاذ مصطفى بكري عند الوزراء والمقربين من النظام وحاشيته بل طالب بمحاسبة الصحفيين الذين يبيِّضون وجه النظام برغم عوراته التي تُرى في الهواء الطلق ولا تحتاج لورقة توت، ولهذا في ظني ستتجه الثورة إلى الصحافة وخاصةً ما يُعرف في مصر بالصحف القومية التي تعيِّن إدارتها الحكومة وبالأحرى ما يُعرف بمجلس الشورى، وجُل هذه الصحف كانت تركب سرجين في وقت واحد ومثلنا السوداني يقول «ركَّاب سرجين وقِّيع»، أي كثير الوقوع، وينطبق عليها القول: «فمن علا زلقاً عن غرة زلجا»! فهذه الصحف كانت تقف مع الشباب ببعض القول وبين ثناياها الوقوف مع الحكومة والنظام، فعلى سبيل المثال صحيفة «أخبار اليوم» المصرية العدد (3457) السبت 2 من ربيع أول 1432ه الموافق 5 من فبراير 2011م كان المانشيت الرئيسي يقول: «(5) مليارات جنيه تعويضات عاجلة للمضارين من أحداث الشغب والاضطرابات».. وفي عنوان آخر «مبارك عاش مقاتلاً من أجل مصر ولن يتركها أبداً» والخط السابق من قول أدلى به السيد عمر سليمان لشبكة أي. بي. سي الأمريكية. وأوردت الصحيفة في ملف داخلي تحت عنوان «دموع في عيون مصر» صور المظاهرات في ميدان التحرير وصوراً لمؤيدي الدولة في المنيا تحت مقال عنوانه «مسيرات المنيا ضد التدخلات الخارجية».. وتقول في خط داخلي «المحلاوي يحرض المصلين على التظاهر» والمحلاوي هذا هو إمام مسجد القائد إبراهيم بمحطة الرمل بالإسكندرية وأحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وكأنها تشير بطرف خفي تلميحاً لا تصريحاً لدور الإخوان في الثورة وإشعالهم لها، برغم أن الإخوان ذكروا إن الثورة أشعلها شباب مصر. ومن هذا السياق سيأتي ترتيب أوراق الصحف القومية. وقد أظهر أيضاً الكثير من الصحفيين الاستياء من الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين ومن بعض تصريحاته الشتراء للقنوات الفضائية التي تقدح بطرف خفي في ثورة التغيير بصورة أو بأخرى!! وقد استضافت قناة «الجزيرة» الأستاذة فريدة النقاش رئيسة تحرير صحيفة «الهلال» وهي تتحدث عن أذرع النظام من الصحفيين الذين تغيروا فجأة (180) درجة فقد أشارت إلى الأستاذ ممتاز القط رئيس تحرير صحيفة «أخبار اليوم» الذي قالت عنه الأستاذة فريدة إنه كان من المؤيدين للنظام بكل فساده إلا أنه فجأة كتب مقالاً ضُحى انتصار الثورة وتنحي الرئيس مبارك في صحيفة «الأخبار» ليركب الموجة ويلحق بالثورة إلا أن الأرشيف بالطبع شاهد ملك على كل ما كتبه، بل وأكبر سقطة وقع فيها الأستاذ ممتاز القط رئيس تحرير «أخبار اليوم» ما أورده في العدد آنف الذكر وفي صفحة (13) حيث أورد صور المحتجين وفي الأعلى بخط عريض عبارة «الفتنة» وهو بالطبع يعني ثورة 25 يناير!! هذه الثورة التي ظل أوراها مشتعلاً برغم الرصاص الحي والدهس بالعربات كما أوردت ذلك قناة العربية، وحتى الآن يندهش العالم للخيل والبعران التي اقتحمت ميدان التحرير في قلب القاهرة التي أدت إلى مقتل وإصابة الكثيرين وبدأت الأسئلة تترى عنهم فهل هم من أعضاء الحزب الوطني الذين تمرغوا في نعيم السلطة ونهلوا من أموالها؟ أم هم من رجال الشرطة الذين تركوا الشارع للمتظاهرين والغاضبين والساخطين؟ ورغم حرب البعران والخيل لإخافة المحتجين إلا أن المتظاهرين قذفوا كرة اللهب للحكومة لتزداد النار اشتعالاً، والنار كما يقولون من مستصغر الشرر!!