{ قال الأستاذ محمد حسنين هيكل في حوار أجرته معه قناة الجزيرة «إن ثورة الشباب المصري أعادت الروح إلى الوطنية المصرية الجامعة وكانت زلزالاً هزَّ أركان نظام الرئيس حسني مبارك القائم منذ ثلاثين عاماً، وحذر من وجود محاولات شرسة لوأد هذه الثورة النبيلة، وأضاف أن الشعب أعلن كلمته يوم الثلاثاء العظيم في استفتاء لم يُزوَّر، الأمر الذي طوى صفحة النظام القائم بصورة لا رجعة فيها، رغم وجود محاولة للالتفاف على إرادة الشعب من خلال الإيحاء بأنه خلال ستة أشهر يمكن إنجاز ما عجز النظام عن فعله خلال ثلاثين عاماً. { وقال عن المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة إنهم تجسيد لحلم خلاص مصر وكبريائها وهم أنبل وأجمل ما أنجبه البلد. وقد اقترح الأستاذ جملة من الإجراءات للخروج من المأزق؛ أهمها خروج الرئيس مبارك من رئاسة الدولة والابتعاد عن الساحة دون إضاعة الفرصة والمداورة والتعلل بالفوضى». { ومن الملاحظات أن الأستاذ هيكل سمَّى النظام القائم في مصر نظام الرئيس حسني مبارك. وهو كلام صحيح، لكنه يعكس بالدرجة الأولى إيحاءً ذكياً ببتر أية علاقة لهذا النظام الذي استندت شرعيته على ثورة 32 يوليو 1952م التي قادها المقدم جمال عبد الناصر، التي كان هيكل، من موقعه الصحفي، أحد كبار مناصريها، وأركانها وسدنتها في ما بعد. { لقد خشي هيكل، بعد أن تأكد له أن الرئيس مبارك ذاهب لا محالة إلى التاريخ المكروه البغيض، أن تذهب معه ثورة يوليو بمرحلتها الناصرية خاصةً، أما المرحلة الساداتية الممتدة من سبتمبر 70 إلى أكتوبر 1981م فقد أشبعها الأستاذ هيكل في كتبه ومقالاته وأحاديثه التلفزيونية نقداً وتهكماً وسخريةًَ. {ولم تستند شرعية نظام الرئيس مبارك على ثورة يوليو وحدها، لكنها استندت، إضافةً إلى ذلك، على حرب أكتوبر 73 التي كان اللواء الطيار مبارك في مقدمة فرسانها، ولم تَرُد تلك الحرب اعتبار مصر وجيشها فحسب، لكنها ردّت أيضاً لثورة يوليو 52 اعتبارها. { ومنذ أن تولى مبارك الحكم عام 1981م كان حريصاً على أن يؤكد أنه سوف يحكم بأسلوبه الخاص وأنه لن يكون امتداداً لسلفيه السادات وعبد الناصر، وكان واضحاً اعتزازه وزهوه - وإن لم يَشُبْهما الغرور - بدوره في حرب أكتوبر 1973م. وأذكر أن حواراً أجرته معه إحدى الصحف البريطانية في أيامه الأولى رئيساً وكان من الأسئلة سؤال يقول: يرى البعض أنك سوف تكون امتداداً للرئيس جمال عبد الناصر؟ وكانت إجابة الرئيس مبارك بالنص هي: «اسمي حسني مبارك». { وهذا جزء من التاريخ، أما الحاضر فإن أبرز ملامحه هي أن المقاتل الكبير القديم صار رئيساً مكروهاً يسعى شباب مصر الذي هو أجمل وأنبل ما أنجبه البلد - كما قال الأستاذ هيكل - إلى رحيله. والمهم الآن، كما قال هيكل أيضاً، هو خروجه من رئاسة الدولة والابتعاد عن الساحة دون إضاعة الفرصة والمداورة والتعلل بالفوضى.