أعرف أني أتوغل في طريق وعر، ولكن يجب أن نسلك هذا الطريق اليوم قبل أن نضطر إلى ذلك، وعلى ذات ثورة سمراء أن نسلك ما هو أكثر منه وعورة. { فالثورة التونسية قد بدأت بتحطيم تلفزيون السيد الطرابلسي الإسلامي، التلفزيون الذي كانت تمتلكه العائلة المالكة، عائلة الطرابلسي التي تزاوجت مع السلطة والثروة هناك، هذه العائلة التي انتجت (ليلي الطرابلسي) التي وصفت بأنها كانت «أقوى من الدستور التونسي»! { ولازلت اعتقد أن أطروحة (قناة ساهور) الفضائية، هي أطروحة تلفزيونية عادية مثل القنوات الأخرى، فيفترض أنها تحتمل (أدب النقد) وتخضع للرؤى الفكرية التي تطرح عبر الصحف وليست أنها قناة مقدسة لكونها تجعل من محبة الرسول «صلى الله عليه وسلم» محوراً لبرامجها وشعاراتها، فهذه المحبة نفسها تحتاج إلى أن تخضع «للشرعية والتخريج والعلم» أو لكونها تجعل من الشيخ على حسن أحمد البشير، شقيق السيد الرئيس، رئيساً لمجلس إدارتها. { وسبق أن كتبت عدة مقالات تصويبية ونقدية، كما نكتب في كل الأطروحات الإعلامية، إذ أن النقد أدب عربي عريق ينزع إلى التصويب والتصحيح والترقية، غير أن الإخوة في قناة ساهور لم يقابلوا تلك المقالات (بصدر رحب) أو بروح تفاكرية وثقافية، فقد قال قائلهم بأن (ابن الصائم) يفتعل المقالات ليتسنى له مقابلة السيد علي حسن أحمد البشير، ورأيت يومئذ أن ذلك اختزال مُخل لدور الصحافة وتفسير غير موفَّق لقيمة الإعلام. فأنا أطمع في أن ألاقي ربي بقلب سليم. { ومنذ ذلك الوقت أتصور أن مياهاً كثيرة قد مرت من تحت جسر الأحداث، أقلاها هذا الوعي العربي الذي يتشكّل من حولنا، أعني استدراك الحدود الفاصلة ما بين العام والخاص، لأطرح هذا السؤال.. هل قناة ساهور هي قناة خاصة أم عامة؟ ربما يقول قائل إنها قناة خاصة، ولكن تصوروا معي.. لو أن خطاباً لطلب الدعم قد صدر من شقيق الرئيس، رئيس مجلس الإدارة، لمؤسسات عامة مثل بنك أم درمان الوطني، سوداتل، فمثل هكذا خطاب هل سيُرد؟، وفي المقابل إذا نهض الفقير لله أبشر الماحي بقناة خاصة هل تجد ذات الدعم والاهتمام؟، ويُذكر في السياق أن قناة ساهور قد صنعت مسلسلاً بكلفة مليون دولار، وفي المقابل تلفزيون الدولة عاجز على دفع رواتب عماله، لِمَ تصبح المؤسسات الخاصة (المميزة) أقوى وأقدر من مؤسسات الدولة؟. غير أن السؤال الأهم هو (هل لقناة ساهور) الخاصة العامة، هل يحق لها أن تُرسِّخ لثقافة (غير مجازة من قِبل أهل الحل والعقد)؟، بمعنى أن المادة التي تبثها قناة ساهور تحتاج إلى أن تخضع (لمراجعات شرعية) لطالما قدّمت نفسها (كقناة دينية)، فعلى الأقل يجب أن تُجاز من المدارس الصوفية ذاتها في السودان، فمعظم الطرق الصوفية في السودان تقول (إن ساهور لا تُعبِّر عنها)، بل أن آخرين يقولون إنها (شوَّهت المديح الرزين)، وأن إنتاجها من المديح (ركيك العبارة صاخب الألحان مُبتذل الأداء).. علماً بأن الممدوح هو الحبيب المصطفى «صلى الله عليه وسلم» الذي بُعث بمكارم الأخلاق. خلاصة قولي في أزمنة المناصحة والمكاشفة، هو أن الرئيس البشير، حتى يوم الناس هذا قد شُهد له بالطهارة واعتدال المنهج، وعدم استغلال السلطة، وعدم فرض أي منهج مغاير لمورثات الأمة السودانية الفكرية والثقافية السلفية منها والصوفية. فعليه من حقنا كجماهير ومحبين للسيد الرئيس وحريصين على سمعته المطالبة بأن ترفع (أسرة الرئيس) يدها عن هذه الظاهرة (الساهورية) التي تبدو كما لو أنها مفروضة علينا، على ألا يرتبط اسم السيد الرئيس بأي منشط قد يُساء استغلاله. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل