أتصور أن مياهاً كثيرة قد مرت من تحت جسر بث قناة ساهور منذ ملاذي ذاك الذي صُنف بأنه «ملاذ غير آمن»، وأن ما انطلق من فوهة يراعه اعتبر «نيران غير صديقة» ومن حيث وضع في خانة الهجوم، وتنهض حساسية هذي الرؤى بأن القوم يجتهدون في إصباغ شيء من القدسية على هذه الفضائية لكونها تتخذ من «محبة الرسول» صلى الله عليه وسلم شعاراً ومحوراً لمدائحها ولا أقول برامجها، إذ ليس بها برامج بالمعنى المتعارف عليه مهنياً، فأما هي تمدح أو تدير حواراً يتخلله مديح، ولا زلت على رؤيتي القديمة الجديدة بأن ساهور قناة مثل القنوات يفترض أنها تقبل النقد والرؤى المغايرة، والنقد أدب عربي قديم ينزع إلى تجويد الأعمال الفكرية والشعرية والثقافية وتقويمها، صحيح أن هناك فرقاً بين النقد والنقض، علماً بأن الذي نمارسه هو نقد لإجل الإصلاح ولا شيء غير الإصلاح.. إن أريد إلا الإصلاح وما توفيقي إلا بالله. وينهض هذا المقال على متن الأسئلة والإجابات التي وردت في اللقاء الشامل الذي أجراه الأخ الأستاذ عبدالباقي عبيد مع الأخ الأستاذ المادح خالد المصطفى، بحيث تكمن أهمية وفعالية الرؤى التي دُفع بها إلى هذا اللقاء من كونه «العقل المدبر» والفقيه المخرّج لأطروحات الكوثر وساهور، حيث تكتسب فعاليات ساهور شرعيتها من خلال تخريجات الشيخ خالد، وسأقف في هذا المقال عند بعض الإفادات الهامة التي وردت في متن اللقاء. يقول الشيخ خالد المصطفى بأنه سمي «خالد» من قبل والده على الشيوعي السوري خالد بكداش واتجاهي مؤتمر وطني، ومتصوف على كل الطرق الصوفية، ولي محبة في طريق أنصار السنة المحمدية، وأخذت علوم التوحيد من شيخ حسن الترابي، وأحترم كل المذاهب الصوفية، ورغم أني أنتمي إلى قبيلة الدباسين إلا أنني أفخر بكل قبائل السودان، خاصة الرباطاب والشايقية. وبرغم مرور هذه الفترة المعتبرة إلا أن شيئاً لم يتغير في طريقة تخريج المواقف بما يشبه «التقية» والاختباء خلف «ثقافة محبة الجميع» لدرجة محبة طريق أنصار السنة، برغم أن هذا الحب لم يتبلور في مدحة واحدة من مدائح الشيخ خالد الغزيرة التي فاضت به القناة، كما أن أنصار السنة لا يبادلونه «هذه المحبة»، فشيخ خالد في هذا اللقاء ترابي التوحيد، سلفي المحبة، قومي الطريق، وهو ينتمي لكل الطرق الصوفية، وهو أيضاً «مؤتمر وطني» وأوشك أن يقول إنه ينتمي إلى كل القبائل السودانية، بحيث لم يكتفي بذكر قبيلته بل ذهب إلى أنه يحب كل القبائل السودانية، خاصة الرباطاب والشايقية. لا جديد في مسألة «مديح المرأة» وقضية كثافة المعازف والفنانين واحتكار المدائح وتوثيقها على منتج واحد هو الشيخ خالد المصطفى نفسه مع المدائح المسموعة أصلاً. لكن الجديد في هذا اللقاء هو الاعتراف بأن هذه القناة يقف وراءها ممولاً السيد الرئيس البشير شخصياً وشركة سوداتل ويلاحظ أن الجهتين الممولتين لهذه القناة هما جهات حكومية، فشركة سوداتل هي شركة حكومية، والسيد الرئيس هو الحكومة ذاتها، هو رمزها وعنوانها، وعليه يجب مراجعة جدلية أن هذه القناة قناة خاصة، وإذا ما تواضعنا أنها تموّل من أموال الشعب السوداني عندئذ يجب فتحها أمام المادح عبدالله الحبر وإخوانه الآخرين، كما يجب فك احتكارية «المؤلف الأوحد»، ويفترض أيضاً فتحها أمام كل الرؤى والاتجاهات، فالذي أعرفه أن هذه القناة بهذه «الثقافة الأحادية» لم تعد تستوعب كل المدارس الصوفية، فضلاً عن أنصار السنة- كما يقول الشيخ خالد في هذا اللقاء. وحتى إذا خضعنا إلى القول بأن هذه القناة خاصة فهل يحق لها أن «تفرض ثقافة» أحادية وفق رؤية ملاكها وسدنتها وعدم احتمالها للرأي الآخر؟!. على أية حال ليعلم إخواننا هؤلاء؛ الشيخ خالد وإخوانه في إدارة هذه القناة أن الإشارة إلى أن السيد الرئيس أو إخوانه في كل فترة بأنهم وراء ظاهرة ساهور لا يمنعنا ذلك من تصويب رسالتها والدعوة لتعم فائدتها، فالرئيس البشير نفسه يرتكز على ثقافة «إذا اعوججت فقوموني».. مخرج.. على هذه القناة أن تصمد في وجه النقد لأجل التقويم بدلاً عن الاختباء وراء لافتة «محبة الجميع»..