تتناول الأوساط السياسية والاقتصادية هذه الأيام أنباء عن ترشيحات لمحافظ جديد للبنك المركزي (بنك السودان) خلفاً للدكتور صابر محمد الحسن ويتحدث بعض المراقبين الاقتصاديين عن خلاف نشب بين د. صابر ووزارة المالية الاتحادية حول بعض السياسات الاقتصادية فيما تعزى أطراف أخرى إلى نهاية فترة تعاقد د. صابر محمد الحسن. على أية حال فإن صابر محمد الحسن شغل هذا المنصب منذ أمد بعيد وشهدت فترة إدارته كثيراً من الإيجابيات التي لا تخطؤها العين فقد أحسنت إدارة بنك السودان إبان الأزمات الحادة والحصار الاقتصادي الشديد وثورة العملة الحرة وما يميزه أيضاً قوة الشخصية وتمتعه بكاريزما عالية. بيد أن مخالفيه يرون أن فترته شهدت كثيراً من السلبيات التي ما كانت يمكن أن تحدث، والأخطاء الفادحة التي ضربت الاقتصاد السوداني في مقتل وهذه السلبيات لا تحتاج إلى براهين ولا شواهد كما أنها لا تحتاج إلى خبراء وعلماء في الاقتصاد ، ففي الفترة الأخيرة شهدت كثيراً من تحديد سعر الصرف فارتفعت أسعار العملة الحرة بطريقة جنونية ومذهلة لم تحدث في بلدان العالم، وكان التخبط واضحاً من خلال منشورات بنك السودان (الفطيرة)التي لا ترتكز علي حيثيات عميقة لمعالجة سعر الصرف فكانت هناك حالة من الضبابية والفوضى وصار الناس فريسة وضحية لتجار العملة ، ففي فترة أقل من عام ارتفع سعر الدولار من مائتي جنيه إلى ثلاثمائة وخمسين جنيهاً وفي ظل هذه الظروف خرج علينا بنك السودان بسياسة الحوافز التشجيعية التي زادت (الطين بلة) ثم محاربة صغار تجار العملة وبالمناسبة محاربة صغار تجار العملة لم تزد الدولار إلا ارتفاعاً ثم تحديد التحويلات للمسافرين والطلاب والمرضى وصرفها لهم بالمطار عند صالات المغادرة كل هذه الإجراءات لم تكبح جماح ارتفاع سعر العملات الحرة؛ لأن هذه مسكنات بالطبع فانها لا تعالج الانحرافات الاقتصادية وهذه الإجراءات تؤدي إلى تحول تجارة العملة عن صغار التجار الموجودين في الصالات إلى كبار التجار وأنها تغطي شبهة لأصحاب الصرافات علي الأقل لمحاباة بعض الناس. ثم يطل علينا من حين إلى آخر عبر القنوات الفضائية من يبررون لارتفاع سعر النقد الأجنبي إلى انفصال جنوب السودان وذهاب حصة الشمال من النفط باعتباره الداعم الأساسي للاقتصاد الوطني ولكن نقول لهم إن إنفصال الجنوب ليس من الكوارث الكبيرة كالزلازل والبراكين والفيضانات التي تقضي على الأخضر واليابس ، ولم يأت بغتة، فهذا الانفصال كانت احتمالاته راجحة منذ توقيع اتفاق السلام الشامل في العام 2005م وكان على الذين يدبرون دفة الاقتصاد أن يعملوا لمثل هذا اليوم وأن يدبروا أمرهم بوضع خطط وبرامج اقتصادية مستقبلية تستوعب كل الاحتمالات ثم إن الانفصال كان حتميا وواقعاً لا محالة فهو إرادة دولية وإرادة الحركة الشعبية التي ما جلست للمفاوضات إلا بعد أن تم تضمين حق تقرير المصير، ولا توجد أمة من الأمم وضع لها خيارات الوحدة أو الانفصال اختارت الوحدة والشواهد على ذك كثيرة انظروا إلى أريتريا وأثيوبيا شعب واحد، ودم واحد ودين واحد فاختارت أرتيريا الانفصال ولكن للأسف الشديد تفاجأت الأوساط والدوائر الاقتصادية الممسك بلملفات الاقتصاد مثلما تفاجأ المواطن العادي. إن دولاً في محيطنا كانت فقيرة ومتخلفة ولم تكن لها سيرة من قبل الآن أصبح لها شأن ويشار لها بالبنان ليست لأنها انتصرت أو انهزمت في الحرب العالمية الأولى أو الثانية ولكن لأنها نهضت بسياسة رزق اليوم باليوم وأصدق مثال علي ذلك ماليزيا التي وضعت برنامج اقتصادي عميق اتبعته إدارة قوية النتيجة إنها صارت دولة قوية يشار إليها في مجال النهضة الاقتصادية ، إن بنك السودان يحتاج الي الكثير ويحتاج الى مجلس استشاري ليس فيه من المتعهدين وأصحاب التجارب السابقة ، نحتاج إلى خبراء جدد حتى يتم ضخ دم جديد، وكذلك يحتاج إلى خبراء في مجال الزراعة وأسواق المحاصيل ويحتاج إلى خبراء في مجال الثروة الحيوانية وتسويقها داخلياً وخارجياً ومختصين في مجال الصناعات الصغيرة وفوق كل ذلك إلى إدارة قوية. وفي بداية حديثي قلت إن الأوساط الاقتصادية تتحدث عن تغيير في منصب محافظ البنك المركزي وحسب ما قرأت في الخبر الدي نشرته صحيفة (الأهرام اليوم) في الأسابيع الماضية إن من ضمن الأسماء المرشحة لبنك السودان الزبير أحمد الحسن ومع أنني لا أحب الكتابة عن الأشخاص وأصبحت شهادة بعض الزملاء ليست كلها (شهادة لله) بل بعضها شهادات مجروحة إلا أنني أرى أنه من الأنسب لهذا المكان هو الزبير ويحمل في سيرته الاقتصادية نجاحات كبيرة حيث شهدت إدارته الاستثمارية في بنك التضامن منتصف الثمانينات قوة كبيرة ، ثم إنه أسس بنك أم درمان الوطني وشهدت فترة توليه إدارة البنك تنفيذ كثير من المشروعات القومية وصار للبنك اسم حتى على الصعيد الإقليمي وحقق أرباحاً على الودائع الاستثمارية لم تحدث في كل المصارف من حولنا وشهدت له بذلك مؤسسات مالية دولية. ثم عمل نائب محافظ بنك السودان ثم وزير دولة بالمالية، ثم وزيراً للمالية منذ بداية العام 2002م في العام 2008 ، وهذه هي الفترة التي تم فيها تنفيذ أغلب المشروعات التنموية الكبيرة من طرق وجسور ومصانع صغيرة ومشروعات كبرى مثل سد مروي ودعم للتعليم العالي، ثم إنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. فالزبير موفق ويتفق مؤيدوه ومعارضوه بأنه صاحب خلق وأمانة ، حيث اتفق معي صديقي وزميلي الهندي عز الدين رئيس التحرير بأن في الزبير بركة نأمل من متخذي القرار أن يستأجروه فأنه هو القوي الأمين.