{ الإبداع في بلادي يحتاج إلى جو صحي ومعافى حتى يزدهر ويحلق عالياً، ونجد دائماً المبدعين تسرق خطواتهم الهموم، ويتراوحون ما بين شظف العيش وعافية المتعة، وغالباً ما تخذلهم الظروف والمعاناة والمرض. الدولة بكل كياناتها المختلفة لا تعيرهم أدنى اهتمام، فهم يموتون في اليوم مليون مرة، دون أن يحس بهم أحد، ولا أدري إلى متى يتصارع المرض مع المبدعين في ظل رعاية مفقودة وتجاهل تام لا نعرف له نهاية. { سقت هذا المدخل والشاعر والدبلوماسي سيد أحمد الحردلو يعاني الآلام وقسوة المرض منذ فترة طويلة وماتت كل أحلامه وصندوق رعاية المبدعين يتاجر بقضية الفن والمبدعين ويهتم بالتكريم والاحتفاء، دون وضع هدف محدد يكفل لهم الاستقرار، والحردلو يعتبر أحد أعمدة الشعر والدبلوماسية ونسج بينهما جسراً كبيراً من التواصل والإبداع وطرزه ب «يا بلدي يا حبوب أبوجلابية وتوب»، وهذه الأغنية التي تغنى بها الموسيقار وردي وهو سفير دائم للسودان في سائر أنحاء العالم بل سفارة متحركة، وقال لي ذات مرة والحزن يملأ عينيه «أعملي إعلاناً صغيراً في جريدتكم عشان أبيع بيتي حتى أتعالج»، ويا عزيزي القارئ أترك لك اختيار أسوأ تعليق على هذه الحادثة. أما المذيع المخضرم حمدي بدر الدين مدير التلفزيون الأسبق وصاحب الضحكة والحضور المتقد والأداء المميز فيعاني هذه الأيام من جلطة دماغية أدت لإصابته بشلل وأرقدته بالسلاح الطبي زمناً ليغادر إلى منزله في المقرن، حال قائد فرسان الجمال في ميدان الإعلام يتألم وآماله معلقة بين الحبل والرمال وفي عهده كان التلفزيون زاهياً وكان نجماً متألقاً خارج الحدود بصوت أمريكا فكان خير سفير لبلادنا في دول العام الأول، يحتاج لتعليق آخر من قارئنا العزيز. وفي سياق ذي صلة نتابع الحالة الصحية للإذاعية صاحبة السجل الخالد الأستاذة نجاة كبيدة فحدث ولا حرج، زادت خفاقات قلبها في سرعة جراء العطاء المتواصل الذي لم يجد من يقدره وهي التي تلهج دائماً عبر الأثير بمقولتها المألوفة (متعكم الله بالصحة والعافية). هذه الشامخة ظلت تمكث في منزلها وهي تتذكر الأيام الخوالي التي قضتها في أروقة الإذاعة السودانية عندما كانت تقدم للمستمعين عطاءها الإذاعي الثر. { هذا الإهمال جعلني أطرح تساؤلات مهمة وعديدة، هل تنتهي مسيرة المبدع عندما يقوده المرض إلى دائرة النسيان؟! وهل نحن أمة تأكل الإنسان لحماً وترميه عظماً؟!.. بل نتساءل: أين معاني الوفاء لجيل يحترق ويكابد في سبيل إسعاد الآخرين. فالدولة مسؤولة بشكل مباشر عن معالجة أوضاع المبدعين الذين قسى عليهم الزمن وعاديات الأيام، والأمل يحدونا في من يهتم يا أهل الفن والإبداع ويقدم لهم العون والمساندة دون تجرد ونكران جميل. إننا من هذا المنطلق نأمل من أخوتنا في الوسط الفني والإعلامي رعاية الزملاء جميعاً وهم يحتاجون للمسة وفاء تجعلهم يعودون للعمل أكثر إبداعاً وتوهجاً. وحالة الحردلو وحمدي بد الدين ونجاة كبيدة تشكل نموذجاً واضحاً لويلات الإهمال والتجاهل وعدم اللامبالاة في حق هؤلاء المبدعين، فالشواهد أثبتت أن المرض هو السوس الذي يحطم الإبداع في وطن يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر، ويفيد التذكير القول بأنني عكست تلك الحالات لهؤلاء المبدعين من دافع الإحساس الصادق والتفهم العميق لمعاناتهم والظروف العصيبة التي يمرون بها حيث لم يطلبوا مني ذلك وهم بحق أهلاً للرعاية والمؤازرة ورد الجميل. والله المستعان.