هل السودان في مأمن عن ما يجري في بعض الدول العربية؟ هذا هو السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين. وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإجابة على السؤال الآتي: ما هي العناصر التي أدت إلى إحداث التغيير في تلك الدول؟ فكل تجربة تغيير عربية تختلف عن نظيراتها وتتوافق مع بعضها، لكن القاسم المشترك هو التحرر والتخلص من حكم الظلم والاستبداد، واختلف التمهيد في كل، ففي تونس أولى الشرارات كانت نتيجة لإحراق البوعزيزي لنفسه احتجاجاً على مصادرة البلدية لمصدر رزقه المتمثل في عربة الخضار التي كان يعتمد على دخلها في إطعام أهله، الأمر الذي تحول إلى قضية عامة متمثلة في البطالة والدعوة لحلها لترتفع المطالب إلى الدعوة للحرية وإسقاط النظام، أما في مصر فإن حركة الشارع سبقت تونس غير أنها كانت محدودة متمثلة في حركة كفاية وجماعة الإخوان المسلمين. وبعد الثورة التونسية كسر الجميع جدار الخوف وخرج الملايين إلى الميادين والشوارع ولم يستطع نظام حسني مبارك الصمود إلى آخر المعركة. وفي الأردن خرجت الجماهير مطالبة بكبح الغلاء واستقالة الحكومة، أما في البحرين فكانت مطالب المحتجين وأغلبهم من الشيعة بالإصلاح السياسي لتنتقل الثورة إلى دولة خليجية أخرى هي سلطنة عمان ومن قبلها جارتها اليمن التي رفعت جماهيرها الدعوة لإسقاط النظام، إذن فمطالب الجماهير العربية تمثلت في استيعاب العطالة والحرية ومحاربة السلطات الفاسدة فهل هذه المطالب متوفرة في السودان؟ ربما يكون الوضع السوداني أكثر تعقيداً ومشابهاً نوعاً ما لليمن وفي نواح أخرى مقارب للوضع المصري خاصة في ما يتعلق بأمر الحزب الحاكم والاتهامات بالتزوير في الانتخابات الاخيرة ومختلف تماماً عن الوضع الاقتصادي في ليبيا التي يعيش شعبها في رغد العيش، وبالتأكيد يختلف كذلك عن البحرين والسلطنة ولكن رغم يسر الحياة والمعدل الاقتصادي المريح إلا أن شعوب هذه الدول خرجت تنادي بالاصلاح السياسي. فالسودان يعاني من مشاكل كثيرة متمثلة في البطالة وغلاء أسعار السلع والخدمات ونظام سياسي يحتكره حزب واحد هو المؤتمر الوطني وفساد مالي يتحدث عنه تقرير المراجع العام كل عام ووضع سياسي فشل في إقناع أبناء الجنوب بأن يكونوا ضمن السودان الموحد والسؤال هنا هل هناك عناصر تستطيع إحداث تغيير في الخارطة السودانية في الفترة المقبلة؟ باختصار نعم وتتمثل هذه العناصر في المعارضة بشتى طوائفها بما فيها اللا منتمين «خاصة الشباب» والعنصر المقابل الذي يمكن أن يحدث التغيير هو المؤتمر الوطني بحكم أنه يحتكر السلطة. فالشعب السوداني اليوم «محبط» بين سلطة المؤتمر الوطني وفشل الأحزاب السياسية في المعارضة ومن قبل فشلها في الحكم، فتصرفات المؤتمر الوطني المتمثلة في إقصاء الآخرين واحتكار كل شيء وعدم محاسبة الفساد وخلط الأوراق بين الحزبي والرسمي والصرف المالي في غير أولوياته كل ذلك جعل حتى أعضاء بالمؤتمر الوطني يشنون الهجوم على سياسات حزبهم، أما أحزاب المعارضة فهي فاقدة للمنهج ويحتكر قياداتها زعماء منذ عقود مع انعدام الديمقراطية داخلها الأمر الذي جعل هذه الأحزاب تنقسم وتنشطر حتى أصبح بعضها قيادات دون قواعد والآن موقفا أكبر الأحزاب المعارضة الأمة القومي والاتحادي الأصل متذبذان يقتربان يوما مع المؤتمر الوطني ويصبحان في اليوم التالي أشد أعدائه وربما يكون أكثر الأحزاب وضوحاً هو المؤتمر الشعبي بزعامة د. الترابي غير أنه يفتقد للقواعد وتنفصل العديد من قياداته وتعلن اندماجها مع الوطني ، وأمام هذا الوضع الحزبي يبقى في الملعب عنصرا المؤتمر الوطني والشباب وهم الذين قادوا الثورات في تونس ومصر وليبيا وغيرها من الدول التي تعمها المظاهرات هذه الأيام وبإمكان هؤلاء الشباب قيادة حتى الأحزاب الكبرى وجرها نحو الشارع، فهل المؤتمر الوطني جاهز للحفاظ على وحدة السودان؟ فإذا اندلعت ثورة الشباب فإنها لن تخمد حتى تأكل كل إنجازات الإنقاذ في الفترة الماضية وسوف يؤدي ذك إلى تأجيج الوضع في دارفور وربما الحدود مع الجنوب. ولتلافي هذا السيناريو المدمر لا بد للمؤتمر الوطني أن يكون وطنياً حقاً ويعمد قبل أن تقع الفأس على الرأس إلى إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي وأن يعمل على محاربة الفساد والمحسوبية وبصورة علنية وأن يحقق العدل في كل شيء ويفصل بين الحزب والسلطة الحاكمة ويجعل نفسه لاعباً نزيهاً في الساحة السياسية أمام باقي الأحزاب وفوق كل ذلك وقف الصرف البذخي خاصة في الدعاية فالشعب يرضي بالتساوي في الفقر لكنه يرفض المحسوبية واحتكار السلطة والثروة فالسودان ملك للجميع وهو يسع للجميع اذا صدقت النوايا.