اعتدنا نحن في السودان أن نتعامل مع الأشياء بحُسن نيّة حتى وإن كانت ضارة بالصحة العامة وتؤدي إلى انتشار الأمراض القاتلة أو تلك الأمراض التي تجعلك طريح الفراش لشهور عِدّة أو سنين عددا. فمثلاً أن نُشيِّد مصنعاً وسط الأحياء ليستشق دخانه السكان وتتغير ألوان المنازل بسبب دخانه المتصاعد، ومن ثم الإصابة بالأمراض. وعندما يتحدث المواطنون عن هذه الأضرار لا أحد يستجيب لهم خاصة وأن المشروع يُعتبر من المشاريع الاستثمارية الكبيرة وهكذا والحياة تستمر وتكثر الأمراض الطاحنة، (أمراض الحساسية وأمراض الصدر). أقول هذا وأنا أتابع ما قاله وزير البيئة ومرافق المياه بولاية الخرطوم د. يوسف تِبن حيث حذَّر في مؤتمر صحافي من خطور النفايات الإلكترونية والطبية على صحة الإنسان والبيئة، خاصة تلك التي تحوي المعادن الثقيلة التي تتسرّب إلى جسم الإنسان .. الوزير اتهم بعض المستشفيات بعدم الالتزام بفرز النفايات الطبية ورميها في أماكن مخصصة كما أن معالجة النفايات تحتاج لعمل إيجابي نسبة لخطورتها وكيفية التعامل معها وتحويلها إلى اقتصاديات بإعادة تدويرها. الوزير أكد كذلك أن هنالك مؤثرات لظهور أمراض بسبب هذه النفايات بالاحياء الطرفية بالولاية لعدم نقلها. نعم هذا هو واقع حالنا، نعي تماماً أن هذه النفايات تتسبّب في الأمراض القاتلة، ولكن لا نبالي بها ونرمي بها في أقرب موقع ثم نحرقها رغم خطورة دخانها الذي يتسرّب إلى جسد الإنسان رويداً رويداً. فالمستشفيات كان ينبغي أن تعلم وهي التي تقدم الدواء للعلاج، كان ينبغي أن تعرف مضار هذه النفايات وتبادر بحرقها بعيداً حتى لا تُساهم بطريقة أو بأخرى في الإصابة بالأمراض .. فالمستشفيات إذا لم تقم بهذا الدور فمن الذي يقوم به خاصة وأنها هي الجهة الوحيدة التي ستستقبل المرضى الذين يأتون إليها وهم مصابون بأمراض السرطان وأمراض الصدر .. فلماذا نقتل أنفسنا بأنفسنا، ثم نتحسَّر بعد ذلك؟ فيا ترى من يساهم في حل هذه المعضلة التي نبّهت لها وزارة البيئة وجزاها الله خير الجزاء وهي تُنبِّه، وفي ذات الوقت تُحذِّر من خطورة النفايات الإلكترونية. فما دام هذه النفايات كما قال وزير البيئة يمكن تحويلها إلى اقتصاديات بإعادة تدويرها، فلماذا لا تسعى الدولة ممثلة في الجهات ذات الصلة بهذا العمل الاقتصادي في إعادة تحويلها إلى اقتصاديات والاستفادة منها مرة أخرى لتوفير الدولار الذي كان يذهب لاستيراد هذه المواد سواء أكانت أدوية أو غيرها طالما أن الأمر يتطلّب التدوير وإعادة تصنيعها؟. قريباً جداً ستمتلئ المستشفيات بالأمراض التي جاءت نتيجة لتدهور صحة البيئة.. فالنفيات ازدادت في ظل عدم توفُّر الوسائل الخاصة بنقلها، وقد أشرنا ونبَّهنا في أكثر من مساحة ولكن يبدو أن ولاية الخرطوم باتت مشغولة بأشياء أخرى كثيرة غير تقديم الخدمة للمواطنين بالرغم من أن المواطنين ليس لديهم مانع في دفع رسوم النفايات باستمرار.. ولكن الآن حدِّث ولاحرج .. فالأكياس تتساقط، والروائح النتنة، والقطط و(الكلاب) الضالة تنبش في (الكوش) ومن ثم الناموس والبعوض والملاريا، والرمد والسرطان والسموم الضارة، فتمتلئ المستشفيات وتتعطَّل الكوادر البشرية، وتتوقَّف التنمية ونعودة لمربع (التخلُّف)، ونحن دولة الملاريا والنفايات. فيا والي الخرطوم أنقذ (المواطن) الذي رشحكم وأنتم تقدمون برنامجكم من أجل خدمة إنسان الولاية .. المواطن الآن يعيش في جو غير صحي. فلماذا لا يتم اصلاح (المحرق) الخاص بالنفايات الطبية بالولاية حتى لا تكون من مسببات الأمراض؟ولماذا لا يتم الاستغناء عن الشركات الخاصة بالنظافة إذا كانت في الأصل لا تؤدي دورها واستبدالها بأخرى نشطة تجوب أطراف الخرطوم؟ فالأمر الآن في منتهى الخطورة طالما أن (المحرق) معطَّل والنفايات الطبية والإلكترونية أصبحت كتلال الرمل!!