{ أشتاقك.. فيتساقط كل شيء على أرض مخيلتي كحبات الندى، كل كلماتك، فرحاتك، ابتساماتك، حركاتك، سكناتك، حتى انفعالاتك وثورتك وكذبك وخيالك الخصب. { إن شوقي لك لا يتجزأ، فهو يشتاق وقارك وصمتك وحزنك، مثلما يشتاق جنونك وصخبك ومرحك. أبحث عنك في عيون الناس الذين شاركوني رفقتك، أسألهم عن غيابك القصير الطويل فأجد في كل العيون نظراتك العميقة وبريق عينيك الخاطف، وكأنهم اكتسبوا منك تفاصيل النظرة وعمق الرؤية. { وكلما غبت عني اتقد الشوق بأعماقي، لم تفلح كل السنوات في ترويض شوقي وافتقادي لك، مازلت أشعر باليُتم والوحدة والضياع والرغبة في البكاء كلما أرغمتك الظروف على الغياب ولو لوقت قصير، إن وجودك يمنح الحياة ألقاً وحياةً، يمنحنا الأمان، والبهجة، ويملأ أيامنا بالحركة والانفعال. فهل تصدق أن غيابك ينشر الصمت والبرود واللامبالاة في جنبات المنزل، بدونك نفقد حماسنا لكل شيء، حتى التفاصيل اليومية المعتادة؛ فلا نرغب في التحلق حول مائدة الطعام ولا نجتهد حتى في صنعه؛ لأنه يفقد مذاقه الطيب بفعل فرحاتك وحكاياتك وإشراقك. { (مشتاقين).. أقولها لك على استحياء؛ فأجمل ما في علاقتي بك أنها لم تفقد عذريتها رغم كل هذه السنوات ولازالت متشبثة بغموضها وحيائها ونارها المستعرة تحت الرماد وربما هذا هو سر تميزها وخصوصيتها التي تدهش من حولنا فيتهموننا بالغرابة ولا أعلم تحديداً إن كان ذلك مدحاً أم ذماً ولكنها غرابة محمودة ما دمنا نتمتع الحمد الله بكل هذا الخير من الصداقة والتفاهم والانسجام والقدرة على الاشتياق. { (مشتاقين جداً).. أبعثها لك عبر إحساسي ورسائلي القصيرة ولا أتوقع قطعاً أن يكون ردك عليها هو ذلك الرد التقليدي المقتضب (بالأكتر).. فأنت تعلم أن التفاصيل التقليدية تزعجني، وأنني مهووسة بالاختلاف وكسر حواجز الرتابة ولا أنتظر أن يكون ردك عليّ أبداً كسائر ردودك على الآخرين، والحقيقة أن (بالأكتر) هذه قد لا تعرب عن الواقع؛ فأنا أتحداك شوقاً. { إذن، أشتاقك، وشوقي ليك شأن مشروع والحمد لله، يمكنني أن أمارسه باستمتاع ووضح، ولديّ مخزون من الذكريات العزيزة التي يمكنني أن استلقي على ظهري وأغمض عيني وأستعيدها من بين ابتسامتي الوادعة فتعينني على مجابهة هذا الشوق الإيجابي الذي يزيدنا قرباً وإدراكاً لحقيقة قيمنا المخبوءة بأعماقنا كلٌ تجاه الآخر حتى وإن ناوشتها تصاريف الحياة اليومية الكَدِرة. { فلتبتعد أو تقترب، سافر وتأخر وامعن في الغياب، فقد أصبحت واحدة من هواياتي المحببة التفنن في ابتكار وسائل جديدة اشتاقك بها واجتهد في التعبير لك عن هذا الشوق. ولا يكدّر متعتي هذه إلا خوفي من انسراب الأيام من بين أصابعنا دون أن أتمكن من الاحتفاظ بك والاستمتاع بصحبتك أكثر، فأخشى ما أخشاه أن ينال الموت منّا فينأى بي بعيداً عنك وهي الفكرة التي أهرع لطردها سريعاً عن مخيلتي؛ فأنا لا أحتمل الموت قبلك ولا أحتمل الحياة بعدك، وفي كلٍ يقتلني الشوق. { تلويح: أشتاق.. وأعلم أني أفقد عقلي إذ أشتاق، فأرسم ما بين الصحوة والإغفاء، حرفين إذا ما اجتمعا، ركبا موج النار، وطارا فوق الريح، وغاصا تحت الماء!