قبل الثورة النبيلة التي فجَّرها الشعب المصري في 25 يناير الماضي بقيادة شبابه الواعد وكان من نتائجها الإطاحة بالرئيس مبارك وبعض رموز نظامه، دعا البعض هنا في السودان وبعد انفصال الجنوب إلى إقامة وحدة بين مصر والسودان الشمالي. واعترضنا رغم وحدويتنا المعروفة وكان من رأينا أن السودان الشمالي لا يزال في حاجة إلى ترسيخ وحدته الوطنية وإلى أن يجعلها هي ووحدة الأرض الممتدة من حلفا شمالاً إلى حدود 56 جنوباً ومن الجنينة غرباً إلى بورتسودان شرقاً ثابتاً يحْرُم التفاوض حوله. وكان من رأينا أيضاً أن مصر قبل ثورتها الكاسحة الرقيقة المتحضرة محتاجة إلى إعادة ترتيب بيتها وكنا ندرك- وهذا ما لم يتيسر لنا الإفصاح عنه في حينه- أن الرئيس حسني مبارك بحكم قابليته للخضوع للإملاءات الخارجية ليس هو الرئيس القادر على القبول بأي شكل من أشكال الوحدة مع السودان .. تلك الوحدة التي ترفضها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل والاتحاد الأوروبي وغيرهم. ثم أُجبر الرئيس مبارك على الرحيل وأصبح من أخبار الماضي الكريه. فقد جعل من مصر الرائدة القائدة على مدى العقود الثلاثة التي هي فترة حكمه دولة (أي كلام). وانفصل الجنوب .. وليس أدلَّ على مكانه مصر .. وحجمها وثقلها من أن ثورتها النبيلة الكاسحة الرقيقة المتحضرة غطّت على خبر أو حادث جلل هو انفصال الجنوب وتقسيم السودان إلى دولتين.. شمالية عاصمتها الخرطوم وجنوبية عاصمتها الآن جوبا. ورغم ذلك وحرصاً على تفادي التجارب الوحدوية الفاشلة، فإننا نرى أن الوحدة الآن بين مصر والسودان الشمالي ليست أولوية .. سواء هناك في مصر .. أم هنا. والأفيد والعملي الآن أن يرتِّب المصريون أمورهم وأن نرتِّب نحن أمورنا. لقد سقط الحزب الحاكم في مصر ولكن عندنا في السودان حزب حاكم ونحن بلسان كبار المسئولين دولة إسلامية! أو أنها ساعية إلى أن تُصبح دولة إسلامية.. وفي حين أن التيار الأقوى في مصر يُطالب بإقامة دولة مدنية ديمقراطية وبلغت قوة المطالبة بهذه الدولة المدنية درجة جعلت حركة الإخوان المسملين تفكِّر لأول مرة في تاريخها في تأسيس حزب على غرار حزب العدالة والتنمية الذي يقوده في تركيا أرودغان و....إلخ إذن.. نكف الآن عن الكلام عن الوحدة بين مصر والسودان الشمالي، وفي نفس الوقت ننتهج من السياسات وننفِّذ من المشاريع ونتخذ من الإجراءات والقرارات هناك في مصر وهنا في السودان الشمالي ما يُعمِّق الإحساس والاقتناع لدى الشعبين في جانبي الوادي الخالد بأن الوحدة هي المصير والإختيار والقدر وعاشت وحدة وادي النيل.