كتبنا كثيراً عن شهر يوليو من زاوية امتلائه بالحوادث المهمة.. ففي 23 يوليو 1952م نفذ الضباط الأحرار برئاسة المقدم جمال عبد الناصر انقلابهم العسكري الذي أطاح بالنظام الملكي الذي ظل يحكم مصر منذ عام 1805م عندما أسسه محمد علي باشا. وفي 14 يوليو 1958م أطاح انقلاب عسكري في العراق قاده الضابطان عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف ليسقط النظام الملكي الهاشمي الذي كان يجلس على عرشه الملك فيصل الثاني.. وفي شهر واحد هو يوليو حدث في العراق انقلابان عسكريان نفذ الأول حزب البعث العربي الاشتراكي وآخرون ونفذ الثاني حزب البعث وحده. وفي 19 يوليو 1971م في السودان في وضح النهار نفذ الشيوعيون انقلاباً عسكرياً قاده الرائد هاشم العطا أطاح بالنظام المايوي الذي كان يقوده اللواء جعفر نميري لكنه بعد 72 ساعة عاد إلى الحكم بانقلاب عسكري في وضح النهار أيضاً نفذه مؤيدوه داخل القوات المسلحة وسبقته وتخللته وأعقبته تظاهرات هاتفة بعودة نميري. وخارج العالم العربي امتلأ شهر يوليو بكبريات الحوادث ومنها إحتفال الفرنسيين بثورتهم الشهيرة، ثورة الحرية والإخاء والمساواة في القرن الثامن عشر التي أطاحت بالملك لويس السادس عشر، وكانت هذه الثورة تعد حتى وقت قريب نموذجاً للغضب الشعبي الجبار الجارف الكاسح ثم دخلت على الخط ثورات أخرى، أشهرها الثورة المصرية، ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام الرئيس محمد حسني مبارك. ولم يكتف يوليو، الشهر الحار - الممطر أحياناً بالحوادث، السالف ذكرها، لكنه ونحن معه على موعد مع يوم آخر من أيامه وسوف يظل محفوراً في الذاكرة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. إنه يوم 9 يوليو 2011م الذي سوف يتم فيه الإعلان عن دولة جديدة يقولون إنها سوف تكون دولة مستقلة ذات سيادة!. وإذا كان هناك من ابتهجوا في السودان جنوباً وشمالاً انتظاراً لهذا اليوم فهناك أيضاً من لا يزالون عاجزين عن تخيله، لقد سقطت الوحدة وسوف يتغير شكل السودان الجغرافي والسكاني وهي متغيرات رهيبة وسوف يكون لها ما بعدها في كافة النواحي. إن كثيراً من الوحدويين وربما معظمهم في الشمال خاصة، لن يكون من اهتماماتهم استعادة الوحدة، فالكرة الآن في ملعب الجنوب، فهم المطالبون، أو أن استعادة الوحدة أصبح من مسؤوليتهم هم لأنهم هم الذين لفظوها. وإذا ما فكروا في استعادتها فإن مما يتطلبه الأمر منهم الصبر الجميل الذي ليست له حدود والنفس الطويل، ذلك أنهم ببعض ممارساتهم أيام السودان الموحد وبفرحتهم الشامتة الهستيرية عند ظهور نتيجة الاستفتاء جعلت القبول بهم مواطنين داخل وطن واحد موحد أمراً في غاية الصعوبة، فقد انشرخ كبرياء الشماليين وتنكر الجنوبيون لما قدموه للوطن كافة وللجنوب خاصة وما أكثره.. وسوف يتغير البلد كما قلنا بعد 19 يوليو القادم، ورغم الخسائر الفادحة ورغم الشعور بنكران الجميل، ورغم الإحساس بالهزيمة الذي يجتاح الوسط الوحدوي إلا أنه ليس بوسعنا غير أن نعمل بكل طاقاتنا للارتقاء بالوطن. وأن نتمنى استتباب الأمن وانتشار السلام على طول الحدود بيننا وبين دولة الجنوب التي سوف يعلن عنها يوم 9 يوليو القادم.